بعد ديمقراطية تحت الهرسلة.. ثم انقلاب بكل "أدوات العنف" والشعبوية…
نحن أمام حدث تاريخي نوعي.. يبزغ وسط مناخ اهتراء سياسي عامّ ينذر باستسلام جماعي لدعوات التأييس من جدوى السياسة والقبول بالدكتاتورية حلا أخيرا لمأزق تعقّد وتجاوز طاقة الجميع فهما وفعلا.
كان لافتا نجاح مبادرة" مواطنون ضد الانقلاب" في التخلص بسرعة من موقفين نقيضين منها. موقفان صادران عن تسطيح كسول وركيك. واحد يصم أصحاب مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" بأنهم طابور خامس لحركة النهضة، والآخر يرى في وجود جوهر بن مبارك في قيادة المبادرة توظيفا يساريا انتهازيا لجمهور النهضة.
بعيدا عن هذين التسطيحين، يثير إضراب الجوع الذي تخوضه مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" سؤالا جوهريا قد تكون الإجابة عليه شرطا لبلورة حل سياسي نوعي لمأزق فريد انتهت إليه تجربة تأسيس ديمقراطي وسط محيط داخلي واقليمي ودولي معاد للديمقراطية وطارد لشروط قيامها.
السؤال :
هل يمكن لفعل نضالي جذري كلّيّ كهذا أن يُحدث ثغرة في حالة الانسداد التاريخي الشامل الذي نعيشه دولة ومجتمعا.. سياسة واقتصادا وثقافة وفكرا… ؟
بداية إجابة :
النواة المؤسسة لمبادرة مواطنون ضد الانقلاب ناشطون سياسيون مثقفون ذوو مسارات سياسية ممتدة زمنيا عبر مراحل بورقيبة وبن علي وعشرية الثورة حتى الانقلابات الفكرية ( الحبيب بوعجيلة وجوهر بن مبارك وأحمد غيلوفي والأمين البوعزيزي.. أساسا).
هي نواة بمثابة الخلاصة المكثفة لتاريخ تيارات العمل السياسي في تونس خلال خمسة عقود، تاريخ دولة الاستقلال.
بهذا المعنى تحمل المبادرة بذور وتفاعلات "جديد" ممكن. هي ممكنُ قطيعة مع المنتظم الحزبي وتجاوز له، بما أن هذا المنتظم وقف عاجزا أمام الانقلاب إلى أن برزت هذه المبادرة المواطنية "الدقيقة".
وهي ممكن تواصل/إنقاذ/تطوير لهذا المنتظم، بما أنها مضطرة واقعيا للتعامل مع الأحزاب الجاهزة تنظيميا وجماهيريا وإن في الحد الأدنى، باعتبار أن بديلها العملي لإنهاء الانقلاب يمرّ عبر خطوات دستورية مؤسساتية مرتبطة بأحزاب منظومة 24 جويلية، الأمر الذي يجعل منها هدفا سهلا لمن يتهمها بأنها مجرد" جسر عودة" وقارب نجاة لمنظومة أحزاب استنفدت كل شروط وجودها ولم يكن الانقلاب إلا الدفعة الأخيرة التي ألقت بها في قبورها.
وهي ممكن توفير شروط نهاية "مشرّفة" لقديم انتهت الحاجة التاريخية له…
في اتجاه ماذا؟