استمعت إلى حوار أحمد صواب أمس على موزاييك. حوار تجلى فيه "الجوهر الفكري الإنساني" للرجل كأوضح ما يكون.
على أبواب السبعين، بتجربة مهنية طويلة في القضاء الإداري عايش فيها صمود "روح القضاء" في المحكمة الإدارية أيام بن علي الذي أخضع كل هياكل الدولة والمجتمع لدكتاتوريته الجاهلة، وبعد تحوله إلى المحاماة، ومشاركة فاعلة في الشأن العام منذ الثورة، وبمرجعية يسارية حداثية مشبعة بعقلانية دستورية حقوقية صلبة…
بكل هذا، يعلن صواب بروح شاب عشريني انخراطه المهني والإنساني والسياسي في مقاومة انحراف الحكم الحالي نحو الاستبداد وحكم الفرد واستباحة القانون والحقوق والعبث بأبسط مقومات الدولة الحديثة.
لم يتلعثم صواب وهو يطالب الجميع بالتصدي العاجل لما سماه "الانتقال إلى الدكتاتورية" بعد أن كنا بصدد الانتقال نحو الديمقراطية. الحرارة التي تحدث بها صفعة لكل الذين استفادوا من الانتقال الديمقراطي، ولكنهم الآن يخذلون الديمقراطية بخسّة ويبررون للانقلاب الشعبوي كل ما يفعله بدعوى فساد العشرية الماضية. وأعني ب"الذين استفادوا" الجميع، لأن كل الناس تمتعوا خلال العشرية الماضية بحريتهم وكرامتهم. حتى الانحرافات القمعية التي كانت تأتيها أجهزة الدولة من حين لآخر، لم تكن سوى اختراقات مبرمجة من شبكات الحكم القديم لتشويه الديمقراطية وعرقلة تحولها إلى نموذج حكم مستقر.
ما يميز صواب أنه يتحدث بخلفية فكرية حداثية تتمثّل وتستبطن بقناعة عقل القانون، أي عقل الدولة الحديثة. القانون الذي يحمي المواطنة ضد النزوع القمعي "الغريزي" للدولة.
وإلى جانب هذه الخلفية، جوهر إنساني سليم.