الوضع في تونس سريالي عجائبي فضائحي فعلا. مَواطن السريالية فيه تمتدّ من المعيشي اليومي.. إلى السياسي المستقبلي المصيري.
في المعيشي تجد تونسيين نموذجيين يقفون طوابير منذ التاسعة صباحا حتى الواحدة أمام مخابز مغلقة ليظفروا بنصيبهم الوطني من الفارينة.. ولكنهم يجدون الحماس والبال والهمة للثرثرة خلال وقوفهم الطويل الذليل حول مسلسلات رمضان. كلهم يسبونها وكلهم يتابعونها بشغف تونسي محيّر.
وتنزلق الثرثرة غالبا إلى الحديث عن أجواء التراويح في جامع الحيّ وعن المفاضلة بين صوتي الإمام الأول والثاني وسرعة التلاوة والتقصير والإطالة.. مع بعض التنبير الكروي الذي لا يجعلك تشك مطلقا أنك وسط تونسيين أقحاحا صحاحا.
في السياسي ترى نوعا من استعدادات فجئية غامضة مترددة هامسة أحيانا وواثقة أخرى من شخصيات تمثل حتما مشاريع سياسية محلية ودولية "سرية" لانتخابات رئاسية مفترضة بعد نصف عام.. ولكنها انتخابات قابلة للإلغاء بجرة مرسوم أو بعدم الدعوة إليها من الرئيس الحالي.
بحيث أنك تعيش في بلاد "الفقر والفرعنة" و "عيش بالمنى يا كمّون"…
بلاد "الجحشنة المعمّمة".
وتبا جدا.
رأي شبه سوسيولوجي في مسألة فقهية…
بالنسبة للجدل حول صلاة التراويح وظاهرة التمسك بأدائها جماعة في المساجد.. بين من يقول أنها سنة.. ومن يقول أنها زيادة لا أصل لها في الدين وربما بدعة والأفضل تركها حتى لا تصبح من الدين…
رأيي أنو شعب كيما الشعب التونسي كي يتغرم بظاهرة شعائرية طريفة كيما صلاة التراويح.. مع ما يحفّها من طقوس احتفالية كرنفالية استثنائية من توافد جماعي على مكان مغلق جامع للشتات التونسي الذي فقد وشائجه الجماعية.. ومن تسابق وتدافع في إظهار التزام ولو شكلاني صوري بأداء منضبط لطقس فيه صمت كامل واستماع اضطراري لمدة ساعة كاملة.. عوض الصخب والثرثرة اللذيْن يميزان التونسي الأصيل..،
فإن من سلامة الذوق ورجاحة العقل تشجيع الشعب الكريم على التمسك بهذه العادة/النفحة الرمضانية الاجتماعية الطريفة.
على الأقل هي خير من طرح نوفي في القهوة مع كل ما يترتب عنه من خسارة مال وشحناء وبغضاء بين المتخاسرين والعياذ بالله…
والله أعلم.. وتبا.