نظم اتحاد الشغل أمس السبت تجمعات عمالية ومسيرات في تسع مدن مختلفة. والملاحظ هو نجاح الاتحاد في تعبئة نواة الشارع النقابي رغم ضبابية أفق هذه التحركات في سياق سياسي معقد جدا.
ولو سألت أي مسؤول نقابي: هل هذه التحركات خلفيتها مطلبية نقابية، أي تفعيل الاتفاقيات المعطلة وتحسين القدرة الشرائية أساسا، أم أنها تحركات سياسية تستهدف منظومة الحكم الحالي ؟.. لارتبك في الجواب.
واضح أن الاتحاد ليس متاحا له أن يغادر بسهولة المنطقة التي ورّطته فيها قياداته المؤدلجة والغبية حين اختارت مساندة "مسار 25". الاتحاد الآن متأكد داخليا أنه إزاء "انقلاب" مكتمل الشروط. وأنه انقلاب نجح في تجريف السياسة والأحزاب ويتجه حتما إلى تجريف كل المنظمات التي تعيق هيمنته الكلية على المجتمع وعلى رأسها هو. الاتحاد يقول هذه المعاني بتلعثم كبير. لماذا ؟
لأن قيادته التنفيذية ما زالت خاضعة لتنظيمات ايديولوجية منقسمة داخلها حول الموقف من الانقلاب. اليسار والقوميون يعيشون داخلهم صراعا عنيفا بين مواصلة المراهنة على الانقلاب حتى يكمل مهمة إزاحة النهضة كليا من المشهد.. على أمل اختراقه عبر البرلمان وافتكاكه من سعيّد.. (وهو ما يطرحه وطد منجي تروتسكي الرحوي وحركة شعب ليلى روزا لوكسمبورغ). وبين الاعتراف بخطأ/غباء التقدير السياسي الأولي الذي قادهم إلى الانخراط الغبي في مساندة انقلاب تبين أنه أحد خيارات الثورة المضادة والاستعمار وصناديق النهب، وأن التراجع الآن عن مساندته هو من صميم الأجندة الوطنية.
وبالتوازي مع هذه التجمعات العمالية، أطلق الاتحاد منذ أيام مبادرة "إنقاذ سياسي" يتحكم في نسق تقدمها على ضوء تطور نقاشات مكوناته السياسية المنقسمة، وعلى ضوء تطور ردود فعل النظام على تحركاته الميدانية المحسوبة، وعلى ضوء تطور المواقف والأجندات الإقليمية والدولية المهتمة بتونس.
المحصلة.. الاتحاد يدرك تماما أن كل مطلب نقابي في سياق انقلابي هو عمل سياسي محض. هو واع بهذا تماما. لذلك من العبث أن يواصل كثير من قيادييه التمسك بالانخراط في "مسار 25"، طبقا لإملاءات أحزابهم الانقلابية، مقابل تقدم الاتحاد في مبادرة إنقاذ تقوم موضوعيا على اعتبار 25 إهدارا للديمقراطية، أي "انقلابا"، وإن تجنب الاتحاد استعمال لفظ انقلاب حتى الآن.