فظيع ما ظهر في الفيديو، من سحل لأحد الشباب بعد تجريده من ملابسه. وأيّا كان ما أتاه الشاب (لنفترض الأسوأ) فإنّ لا شيء يسمح بالاعتداء الشنيع، وإدانة العونين حاصلة. فممارسة التعذيب والإذلال تقليد ترسّخ مع نظام الاستبداد، إذ يكون العون هو الذي يوقف المتّهم ويحقّق معه وينفّد عليه الحكم.
هذا ما شاهدناه اليوم في الشارع. والركل المسجّل بالفيديو إدانة كاملة للعون ولمن شاركه في جريمته. فمهما كان الخطأ أو الجرم الذي قد يأتيه الفرد فإنّ حفظ كرامة المذنب أوّل ما يقف عنده العون، ولا يحقّ له أي اعتداء جسدي أو غيره مهما كان حجمه على المذنب، إلاّ في حالات الدفاع عن النفس.
نحن في وضع فوضى متمدّدة، واستهتار شامل في الإعلام ( الإعلام النوفمبري المهيمن وغرفته المظلمة) وفي أعلى مؤسسات الدولة (عبث رئيس الجمهوريّة)، ومن قِبَل قيادات سياسيّة (الدعوة إلى إنزال الجيش، وثيقة الانقلاب الدستوري)، ومن مؤسسات محليّة (ما نسب إلى بلديّة الكرم). وأخطره حال مؤسسة القضاء ( رئيس المجلس الأعلى للقضاء) والهيئات الدستوريّة (تصريحات رئيس هيئة مكافحة الفساد المقال)، وفوضى البرلمان (عجز رئيس المجلس)… هو عبث بكرامة المواطن ووحدة الدولة والسلم الأهلي.
المطلوب، بلا أمل في تحقّقه، تحقيق فوري مع مرتكب عمليّة السحل وهدر كرامة الشاب. ولا أقلّ من استقالة رئيس الحكومة أو سحب الثقة منه فهو المسؤول الأول بصفتيه عمّا حدث.
أثر هذه الجريمة يرقى إلى أثر عمليّتي الاغتيال السياسي في 2013. ولن تتوضّح غاية الفعل ومن وراءه في سياق محكوم بتناهش سياسي لا يتوقّف، وفي ظلّ مؤسسة أمنيّة تجتهد في أن تتعافى، ولكنّها تؤتى من داخلها في كلّ مرّة.
لا شيء يبرّر هذا الهمجيّة، ولا يمكن فصلها عن أجندات التعفين الممنهج وتخريب القليل الذي بُنِي.
لا تخفى تداعيات الاستقالة في مشهد محتدم مسكون بأزمة مركّبة، فضلا عن كونها مطلب من يستهدف سقف الحريّة والاختيار الشعبي الحر رغم تقاطعه مع حكومة طلبة الأكاديميّة المشبوهة. ومع ذلك فإنّ في الاستقالة تشبّثا بيقيّة من مصداقيّة للدولة (عند النّاس أوّلا وليس الأحزاب المتناهشة) قد تكون نقطة انطلاق لاستعادة المطلوب من المصداقيّة بالضرورة تدريجيّا..