مهمّ أن نجعل من 2 جوان يوما وطنيّا لحريّة التدوين ضدّ السلطة كلّ سلطة. وأعتبر هذا أضعف الإيمان والردّ االفوري لمطلوب. والحرمات مقدّسة والاعتداء عليها ليس من حريّة التعبير، إنّه جريمة ولابدّ من ردعها، ولكن بالقضاء المدني وبمحاكمة عادلة.
ومع ذلك هذا جزء من كلّ يتمثّل في:
1 ـ انقلاب فعلي على الدستور انخرط فيه رئيس الجمهوريّة بإعلانه في كلمته أمام رئيس الحكومة ووزير الدفاع في معرض ردّه على "وثيقة الانقلاب الدستوري" الفضيحة بأنّنا في إطار الفصل 80، وهو يعلم أنّه لا يتوفّر شرط واحد من شروط تطبيق الفصل الثلاثة المبدئي منها والإجرائي (تهديد كيان الدولة، تعطّل السير العادي لدواليبها، وجود محكمة دستوريّة).
وتدابير الفصل استثنائيّة ومحدودة في الزمن (30 يوما)، ولا تتمّ إلاّ بعد التشاور مع رئيس الحكومة ورئيس مجلس النوّاب، والتوجّه إلى الشعب بخطاب يشرح الموقف ويرصّ الصفوف (فنحن بإزاء عدوان خارجي في الغالب). فالموقف كما يدّعي المضلّلون ليس من الفصل 80 فالفصل جزء من دستور الثورة وإنّما الموقف ممن يخرق الدستور ويريد تطبيق الفصل خارج شروطه.
الحقيقة الدامغة أنّه لم يتوفّر شرط وحيد من هذه الشروط، والرئيس راعي الدستور وليس مؤّوله الوحيد كما يهرف المرعوبون من المحكمة الدستوريّة وهي أحد أهم أسس النظام الديمقراطي.
ثمّ إنّ رئيس الجمهوريّة عمد إلى الخلط بين الفصل 80 وأمر 26 جانفي سيّء الذكر الذي استدعي في 2015 غداة العمليّة الإرهابيّة في محمد الخامس. وإجراءات هذا الفصل استثنائيّة دائمة، لذلك اعتبر الرئيس قيس سعيد القانون يوم إمضائه على تمديد القانون لستّة أشهر في ماي 2020 غير دستوري وأنّ تمديده كـ"القبض على الجمر"...فما رأيه اليوم؟
الخلاصة أنّه لا يمكن اعتبار ردّ الرئيس على الوثيقة الفضيحة إلاّ تبنيّا لما ورد فيها حين أكّد أننا في سياق الفصل 80.
وباستثناء قاضي المحكمة الإداريّة أحمد صواب الذي شدّد على الانتفاء الكلّي لشروط الفصل 80، فإنّ الصمت المتواطئ هو الغالب.
2 ـ الحديث عن مصدر الوثيقة لا قيمة له سيّما وأنّ جهات معلومة ردّدت ما جاء في الوثيقة حرفيّا قبل ظهور الوثيقة. وكانت دعوتها لرئيس الجمهوريّة لإنزال الجيش متكرّرة وعلى لسان أكثر من شخصيّة سياسيّة ونيابيّة. ولذلك غذا الحديث عن مصدر الوثيقة تعلّة للتغطية على فظاعتها وخطورتها واستهدافها للدستور ومؤسسات الدولة المنتخبة وتهديدها السلم الأهلي. والأصل أن تتحرّك النيابة العموميّة للتحقيق في مصدر الوثيقة.
الأستاذ محمّد عبّو يسّر على الجميع وأوّلهم النيابة مهمّة البحث عن مصدر الوثيقة بأن أعاد نشر دعوته رئيس الجمهوريّة إلى تحريك الجيش واعتقال شخصيّات سياسيّة وبرلمانيّة ورجال أعمال...أليس في ذلك إشارة إلى مصدر "وثيقة الانقلاب الدستوري وأنّ المطلوب من النيابة التحرّي في الأمر؟
وهو اعتراف لا ينفع معه سعي إعلام التطبيع إلى التغطية أولا بالبحث في مصدر الوثيقة، ثمّ بجعل قضيّة "رفع الحصانة" قضيّة القضايا. وهي قضيّة مختلف فيها ومطلوب تحقيق إداريّ في الوثائق بين المجلس ووزارة الدفاع. وحتّى إن صحّ وجود 25 حالة في موضوع رفع الحصانة فإنّه لا يرتقي إلى دعوة مباشرة بالانقلاب على الدستور والمؤسسات والاختيار الشعبي الحر بما فيه انتخاب رئيس الجمهوريّة نفسه.
التصدّي للَجْم الحريّات أولويّة، والتصدّي لمحاولات الانقلاب أولويّة الأولويات، وهو أصل وما سبقها فرع...وإنّ الدفاع عن الحريّة المعمّدة بدماء الشهداء ورفع سقفها عاليا لا ينفع معه قضاء عسكري ولا غيره.
شُرِّفْنا، أتحدّث عن نفسي ـ بالمشاركة في التصدّي للاستبداد بما نستطيع، وشَرَفُنا أكبر وأجلّ ، في مثل هذا العمر، بالمشاركة في تأسيس الحريّة وبناء الديمقراطيّة والتصدّي لكلّ محاولات الانقلاب ولكلّ ذيولها المڤطعة…
لا توجد منطقة وسطى....هانا هني...لن نبرح مكاننا...والعظم الرهيف الله يكسره.