إنّ أيّ تنازل في موضوع أداء الوزراء اليمين الدستورية (أيّا كان حجمه)، بعد نيلهم ثقة البرلمان، هو كسر يصعب جبره يصيب الديمقراطيّة ومسارها. ويمثّل سابقة دستوريّة خطيرة تفتح الطريق سالكا أمام عبث الشعبويّة بالدولة والدستور.
أمّا استقالة الحكومة (ثَمّ تسخين واضح للموضوع)، في هذا السياق بالذات، وأمام هذه المواجهة وطبيعة الأطراف التي تتقابل فيها، فهي بمثابة "البيان الأوّل" الذي يُعلن نهاية تجربة متعثّرة من تأسيس الحريّة وبناء الديمقراطيّة.
هذا الرأي لا يؤسّسه التقدير السياسي فحسب، بقدرما يستند إلى إجماع كبار أساتذة القانون الدستوري على أنّ رئيس الجمهوريّة في موضوع الحال تحت سلطة مقيّدة. وفي هذا الإجماع سند مهمّ أيا كانت غايات أصحابه.
وإنّ التنبيه إلى آثار التنازل وتداعيات القبول باستقالة الحكومة لا يزكّي رئيس الحكومة ولا ينصّبه ممثّلا للقوى الثورية (إن وجدت)، ولكنّه يشير بوضوح إلى انقسام المنظومة الوظيفي ومراهنة السيستام على دور شقوقها هنا وهناك (مع الحكومة وضدها) في منازلة تاريخيّة لن تفصح قريبا عن نتيجتها.
إنّ الذي نعيش ليس صراعا بين قوى ديمقراطيّة تحت سقف الدستور في مسار ديمقراطي لم تُستكمل مراحله. وليس خلافا بين رأسي سلطة تنفيذيّة يسلّمان بمرجعيّة الدستور والديمقراطيّة النيابيّة، غير أنّهما قد لا يتورّعان عن تقديم مصلحتهما الشخصيّة على مصلحة البلاد.
الذي يحدث استهداف للديمقراطيّة من قبل شعبويّة وصلت إلى أعلى مؤسسات الدولة بالديمقراطيّة، وهو حرب من قبل فاشيّة تجمعية تسللت إلى الديمقراطيّة بالديمقراطيّة لضربها في مؤسستها الأصليّة، وهو تواطؤ أحزاب وظيفيّة غادرت مرجعيّتها الديمقراطيّة وانحازت إلى الشعبويّة الضحلة التي تجاهر بعدائها للمنظومة الحزبيّة والديمقراطيّة النيابيّة وتمعن في خرق الدستور.