ليس صدفة أن يتزامن استهداف المؤسسة الحاضنة للديمقراطيّة (البرلمان ) واستهداف المؤسسة الحامية لمسارها وللبلاد (الأمن الجمهوري). هناك استهداف متوتّر (استهداف المغلوب) لكلّ شروط المسار. ما يحدث في البرلمان هو نتيجة مباشرة لتواطؤ مفضوح مع استهداف البرلمان من قبل الفاشيّة منذ أوّل جلسة في دورته الجديدة.
وهو تواطؤ من أكثر جهة في البرلمان يمتد من اعتبار بلطجة الفاشيّة في المجلس وجهة نظر سياسيّة إلى اعتبار تعطيلها العنيف للجلسات وعبثها المتواصل فيها إدانة للمنظومة الحزبيّة ودليلا على لا جدوى الديمقراطيّة وحجة لصحة الأطروحة الشكلانية الشعبوية المعطّلة.
التعليق العام والغامض على استهداف الديمقراطيّة على المباشر من قبل قطعان الفاشيّة بأنّه "مهزلة" دون الإشارة بشجاعة إلى حقيقة المعتدي والممارس للعنف والبلطجة والمعطّل لعمل المؤسسة الأصليّة لا يختلف عن عمل الفاشيّة نفسه من الناحية الأخلاقية والسياسية وما يتهدّد البلد من مخاطر.
قلناها ونعيدها، كان يجب أن تظهر الفاشيّة لتنكشف حقيقة العلاقة بالاستبداد ماضيا وحقيقة العلاقة بالديمقراطيّة ومسار بنائها حاضرا.
المواقف هي المواقف، ولم ينْضَف إلاّ سقف الحريّة العالي المعمّد بدماء الشهداء، وهو الكفيل بترسيخ الديمقراطيّة وتمتين أسسها رغم الاستهداف من كلّ بقايا مكونات السيستام وملحقاته الوظيفية. وهو الذي يبدو أكثر نباهة من ملحقاته الرثّة حين لا يضع بيضه في سلّة واحدة. ويسعى إلى ألاّ تكون خسارته كاملة؛ فله من يمثّله من قواه التي "تدقرطت" إذا حسم الأمر للديمقراطيّة ومسارها وله من يمثّله إذا انتكس المسار.
فالصراع هو "صراع الشروط" وما يمكن أن يفضي إليه من مآلات. وإيماننا بالحريّة يجعلنا أقوى يقينا ببلوغ المسار غاياته. لذلك فإن المتحوّلين عن الديمقراطيّة والمراهنين على نجاح الفاشيّة لا يمكن أن يكونوا إلا من شروط السيستام وملحقاته الوظيفية البائسة، ولن تنفعهم نصف المواقف.
فمن لم يُدِن بلطجة الفاشيّة ويعتبر التصدّي لاستهدافها الديمقراطيّة أولوية سياسيّة يفقد كل علاقة بالديمقراطيّة ومرجعيتها وخطابها في مواقفه من كل قضايا المشهد السياسي والاجتماعي.
في السياق نفسه تأتي لعبة بعض النقابات الأمنيّة ومحاولة استهدافها موقف المؤسسة الأمنية في تعاطيه الناجح جدّا مع التظاهرات الأخيرة بشارع الثورة. وهي لعبة تستهدف بأمر من بعض لوبيات السيستام وحْدَة المؤسسة الأمنية حارسة المسار الديمقراطي بدعوى الانتصار لشرف الامنيين الذين أهينوا. وقد أهينوا فعلا ولكن من قبل أصدقاء النقابات الأمنية(يحيّا بيان التيار في هذا، مع الإشارة اختلافه مع موقفه الغائم حدّ التواطؤ من استهداف البرلمان منذ سنة).
وهو ما يفضح تقاطع بعض هذه النقابات وخلاياها النائمة (أمن موازي) مع هدف منظّمي التظاهر وموجّهيه(أستثني أصدقائي الطيّبين) إلى المؤسستين التشريعيّة يوم التحوير الوزاري، والأمنية يوم "تظاهرة الكانيش" في شارع الثورة. وتكتمل الحلقة مع بلطجة الفاشيّة اليوم بالبرلمان.
ومع الأسف، كذبة الطرد المسموم وتداعياته ليست بعيدة عن هذا الخُرُم السياسي، فقد أضافت إلى الإساءة البالغة بكذبتها إلى مؤسسة الأمن الرئاسي استهدافا للقضاء بتعطيل عمل النيابة العمومية التي قدّمت تقريرها ونتيجته ( لا يوجد مادة مسمومة ولا منفجرة بالظرف) وهي تنتظر ردّ رئاسة الجمهوريّة الذي لا يأتي لكي تواصل البحث فيمن يقف وراء الكذبة. وهي كذبة تمسّ أمن الرئاسة وأمن البلاد القومي. ولا يمكن أن تأتي الكذبة المتأكّدة ممّن يرأس مجلس الأمن القومي.
لا رغبة ولا حكمة في أن يتكاتف خصوم المسار وأعداؤه والمتسللون عنه و"مساعدتهم" ليكونوا جبهة واحدة. فذلك من نتائج الفرز على قاعدة الديمقراطيّة، ولاشيء يمنع سياسة هذه النتائج مناورةً ومداورةً وتحيّزاً لدعم شروط المسار وتقدّمه وهي من شروط مواجهة الأزمة الشاملة ووجهها الصحي المخيف.