من مفارقات مشهدنا الانتقالي أنّ المجتمع المدني كان قائد الشوط الأول من الانقلاب على الديمقراطيّة في 2013 باسم الحوار الوطني، وقد تفاجأ ممولوه من الغرب الأوروبي (أو اصطنعوا التفاجؤ) بانتصاره للشوط الثاني من الانقلاب في 25 جويلية 2021.
وإذا اعتبرنا المجتمع المدني في أهم تعبيراته الاجتماعيّة (الاتحاد) مستهدفا اليوم من قبل الانقلاب فهذا يعني أنّ تغيرا يحصل في بنية الدولة يتجاوز الحاجة إلى "هدنة اجتماعيّة" وفرض شروط الإصلاحات التي تلحّ عليها الصناديق الدوليّة.
ولقد كانت الإشارة في أكثر من مناسبة إلى أسباب صمود الانتقال لعشريّة كاملة رغم حجم الاستهداف المحلي والإقليمي والدولي، وكنّا أجملناها في ثلاثة: إجماع على فكرة الدولة، لقاء بين القوى الفاعلة وسط المشهد السياسي، ومؤسسة أمنية وعسكرية خارج رهانات السياسة.
كما كان التنبيه، بعد انتخابات 2019، إلى بداية انتقاض هذه الأسباب تدريجيا وكان أخطرها الإصرار على جرّ الأجهزة إلى حلبة الصراع السياسي ضدا على وظيفتها التي يضبطها الدستور وتستدعيها فكرة الدولة الديمقراطية، ومخالفةً لتقاليد ميّزتها عن مؤسسات شبيهة في المجال العربي. فكانت المحصّلة إغلاق المؤسسة الأصليّة في النظام الديمقراطي بدبّابة.