تفاعلا مع مقال الصديق نور الدين العلوي المتميّزة حول السياسة التعليمة وإصلاح التعليم، كتبتُ هذا النص الموجز. جزء من معركة بناء الديمقراطية ونتيجة لاستقرار النظام الديمقراطي في آن..
السياسة التعليمية منذ 56 - على الأقل - هي جزء من مشروع الدولة الجهوية (=المركزية) التي تعيش هذه الأيّام أسوأ حالاتها في ظل انقلاب عبثي يجد مساندة من رموز من قاموا على آخر عملية إصلاح في التعليم (تلاميذ محمد الشرفي وجلّ فريقه: حمادي بن جابالله نموذجا).
كانت سياستها التعليمية وكلّ مشاريع إصلاحه في مواجهة خصم المرحلة الإيديولوجي بتوجيه فرنكفوني قويّ حتّى كادت مشاريع الإصلاح تلخّص تاريخها وتاريخ المعارضة السياسية.
أوّل الإصلاحات كان في مواجهة الزواتنة باسم التحديث ثم في مواجهة التيار العروبي واليساري وآخرها إصلاح محمد الشرفي تحت العنوان نفسه في سياق المواجهة مع الإسلاميين. وهي المواجهة التي استمرت عشريتين، ولكن بإصلاح أكثر جذرية وأدلجة وباستسلام أوضح للنهج الفرنسي.
في 2011 أتيحت فرصة إعادة بناء الدولة لتغادر جهويتها وتكتسب الصفة الوطنية، بعد أن استنفذ تأسيس 59 أغراضه.
وكان مأمولا أن يكون إصلاح التعليم بعد الثورة جزءا من النظام السياسي الديمقراطي الذي يمثل شرط خروج الدولة من جهويّتها وصورة من المشترك الوطني والوفاق المجتمعي خارج كل تناحر إيديولوجي…
ولكنّ تعثر تأسيس الديمقراطية وفشل إعادة بناء الدولة وحجم التدخل الفرنسي واهتراء النخب السياسية والأكاديمية وتبعيّتَها حالت جميعُها دون إصلاح وطني للمدرسة والجامعة يستلهم أنجح التجارب في سياسات التعليم…فتواصلت أسباب الضياع والانهيار…
لم تكن هناك عملية إصلاح للتعليم بعد الثورة، وتواصل "تسيير الأزمة" وتعميق أسبابها، والتهديد بإصلاح في مواجهة "خصم إيديولوجي" يمثّل - في تقديرنا - أحد أهمّ شروط بناء الديمقراطية والحداثة السياسية (النهضة)…وهذه من مفارقات الانتقال ومن أسباب تعثّر.
ويبدو أنّه لا مجال لإصلاح وطني فعلي للتعليم إلاّ في ظلّ نظام ديمقراطي. وبعبارة أوضح سيكون إصلاح التعليم جزءا من معركة بناء الديمقراطية وتوحيد تونس المنقسمة هوويا واجتماعيا. وتوحيد البلاد ومجال فعل الدولة هو جوهر المشروع الوطني وهو الكفيل بإخراج تونس تدريجيا من "دولة الغلبة الجهوية" بنظامها الاستبدادي التابع إلى "دولة التعاقد الوطنيّة بنظامها الديمقراطي المواطني السيادي.
وهو ما يمنح عملية الإصلاح إمكانية أن تكون باتجاه تعليم عصري وجامعة تنتج المعرفة وتكون مرجعا لاقتصاد قائم على المعرفة والقيمة المضافة..