أناديك كما ناداك صاحبي حبيب يوما، وقد غصّت بك دروب العاصمة دفاعا عن الدستور والديمقراطية: "يا شارعنا الديمقراطي"!!!
البلد على مفترق طرق حقيقي. ولم تعرف السلطة عزلة مثل التي تعرفها اليوم، واتسعت دائرة معارضتها حتى غطّت جلّ الفعاليات الحزبية والسياسية والمدنية.
اتفق الجميع على خطورة العبث الذي يعصف بالبلد وعلى أولوية إيقافه. دون أن تكون لهم الشجاعة للالتقاء على برنامج أدنى للإنقاذ، على تحرك ميداني مشترك، على عنوان سياسي مرحلي (إنقاذ الدولة ومنع تبديل هويتها) ينهي حالة التدهور المنذر بالانهيار الشامل.
إنّ من يتظاهرون اليوم هم ضيوفك، فهم يتقدّمون هذه الأيام نحو الأرضية التي بنيْتَ والعنوان الذي رفعتَ. يأتون إليك وإن بأخَرَة. فلا يعقل أن تتخلّف أنت!! …هذا إن بقيت منك بقيّة.
وأغلب القادمين إليك إمّا كانوا على ميل إلى الانقلاب أو على أمل في الخروج من الانسداد الذي عرفه الانتقال بعد تعثر…واشترك أغلبهم في أنْ كانوا من المكذّبين بقراءتك لـ25 على أنه انقلاب على الديمقراطية، ومن المخلّفين عن دعوتك إلى مقاومته بالشارع.
أعادتهم المآلات على اختلاف أسبابهم، ومع ذلك فأنت أول من يَسعد بقدومهم وأوبتهم. فلا يثنيك نفوذ المحاور، ولا يلهيك كيد السفارات، ولا يضيرك ضعفك وذهاب ريحك، بل حتى زوال رسمك واسمك. فكل مقابل للانقلاب مستظل بسقف عنوانك في استعادة الديمقراطية، وهو متشبه بك وسائر على خطاك وإن أنكر وجحد.
تستقبلهم وأنت تعلم علم اليقين أن المشهد المحلي محكوم بالمحاور ونفوذها، وأنّ الشروط المحلية لا تكاد توجد رغم يافطاتها المنصوبة. ومع ذلك فإنّ السياسة قد تعيدها سبيبة.
أنت المعني قبل غيرك بكل دعوة للخروج إلى الشارع من الكابوس. فلا تطالبهم باعتذار ولا بمراجعة. فلست عليهم بمسيطر (وليس بإمكانك ذلك او أحببت)، ولست وسيطا بينهم وبين القيم. ولا تكترث للقلة الفئوية سجينة شعارات الإقصاء مهما علا صوتها وعنفها الرمزي، فأنت في بيتك وعلى أرضيتك التي أسست.
وإنما المطلوب منهم ومنك هو الالتقاء على مهمة إنقاذ الدولة مقدمة لاستعادة الديمقراطية وما يتطلبه من توحيد حركة الشارع. والوسيلة الوحيدة المتاحة، في هذه اللحظة بالذات، الاتفاق على نقطة بسيطة: مرشّح مشترك (هو الزمال إلى حدّ الآن وما يتبع الاتفاق من ضبط وتعهد) إذا توفرت أسباب انتخابات حرة وشفافة (مراقبة تامة من المرشحين ومن المنظمات المستقلة المختصة). وسيكون لهذه النتيجة صدى عظيما وأثرا قويا على المشهد ونقطة ضوء ساطعة في هذه العتمة المطبقة.
وإنّ من يردد باسم المبدئية والاعتبار من الماضي بأنّه لا توجد شخصية معروفة يوثق بها وأنّه سيقاطع كي لا يقع فيما وقع فيه في 2019 فهو يفسح المجال لتمدد العبث وما هو أشدّ من العبث، ومِنْ ثمّ فإنه يعيد الخطأ نفسه ويُلْدغ ثانية من الجحر نفسه.