لا توجد قرارات ذات بال، في كلمة رئيس الحكومة باستثناء إقرار نظام الحصة الواحدة الذي لم نغادره إلاّ منذ شهر تقريبا. لذلك بدا أقرب إلى اللاقرار. بالإضافة إلى حظر التجوّل في بعض البؤر الوبائية وإجبار أهلها على حمل الكمّامة حتّى في الفضاءات المفتوحة.
الحكومة تتبنّى بشكل من الأشكال مقاربة "مناعة القطيع" والتشديد على الالتزام بالإجراءات الوقائيّة والتلويح بعقوبات سيتمّ ضبطها لكلّ مخالف، من ناحية، وتعزيز المؤسسات الصحيّة وطاقتها في إجراء التلاقيح واستقبال المرضى وأسرّة الإنعاش والتنفّس الاصطناعي. وقدّم في ذلك أرقاما فيها تعمل الحكومة على بلوغها.
لم يقدّم رئيس الحكومة تقريرا ولو موجزا عن الحالة الوبائيّة واكتفى بذكر تفاقم الحالة وخطورتها، ولم يعرض وجهات نظر مختلفة قد يكون تمّ التداول فيها بين الجهة الطبيّة والجهة السياسيّة حول المقاربة الأنجع في مقاومة الوباء، ونحن نعرف وجود وجهات نظر لأهل الاختصاص يرى فيها بعض المختصّين وجوب الحجر الصحّي الموجّه ثلاثة أسابيع لكسر الموجة وتوفير شروط التحكّم بمسارها وحدّتها، والخروج من حالة الارتخاء الشامل. واكتفى بخلاصة مهمّة هي بمثابة الحجّة على صوابيّة المقاربة المعروضة في إشارته إلى أنّ الوضع الاقتصادي لا يمكن أن يتحمّل الحجر، وألاّ بديل عن التعايش مع الوباء مع تشديد الإجراءات الوقائيّة.
ولم يقدّم رئيس الحكومة تقييما موجزا لتجربتنا وأسباب نجاعتها في مواجهة الوباء في موجته الأولى، وما عرفته من إرباك بداية من شهر جوان. وانتهى إلى إقرار "خطّة" هي أقرب إلى توصيف ما نعيشه هذه الأيّام طبيّا وسياسيّا.
خروج رئيس الحكومة في حدّ ذاته عامل طمأنة. وإشارة إلى رغبة في إعادة الانسجام بين القرار الطبّي والقرار السياسي. دون أن تنجح كلمته المقروءة ببرودة حزينة كأنّها محايدة، في الإيحاء بذلك، أو توفّق إلى طمأنة محفّزة على المواجهة والثقة في النفس وفي القيادة الطبيّة السياسيّة التي لم تظهر بالوضوح والقوّة المطلوبين.
فلم تبرز صورة رئيس الحكومة قائدا في منازلة فاصلة ومعركة حاسمة تتعلّق بأرواح العباد ومستقبل البلاد. "تونس تعيش" …ليته ما أنهى بها حديثه..عبارة ركيكة "صرخْها صرْخان"، وختم بها كلمته تنمّ عن محدوديّة، وانشداد غير مبرّر إلى جملة سابقة كنّا نرى فيها ضحالة بعض من ممثّلي القديم الملتحق بصعوبة بالديمقراطية. ولكنّ جملة المشيشي أتفه..وفي كلّ الأحوال يكشف الخطاب عن هويّة المتلفّظ به.
والمثير هو أنّ الجملة الركيكة هذه جملة إسمية مركّبة. قصد بها المشيشي إنشاءً ولكنّ بناءها جعلها خبرية. فلم يخبرنا عن تونس كيف ستعيش؟ وبِمَ ستعيش؟ وفي ذلك إحالة ضمنيّة إلى غياب الخطّة السياسيّة الواضحة عند أهمّ مؤسسة في السلطة التنفيذيّة في مواجهة وباء زاحف …
ندعوه إلى أن يتخلّى عن هذه الجملة نهائيّا…كأنّه لم يقلها…