عن الانتخابات الفرنسية ونتائجها، لن ندخل في تفاصيلها فنخوض في من نجح ومن أخفق، وأيّ المرشّحيْن أنسب، فبالنسبة إلينا فرنسا هي فرنسا…
نعرف تاريخها معنا وتاريخنا معها، ونعرف أكثر مستقبلنا الذي انطلق مع 2011، ودور فرنسا في إجهاضه. ولا نشكّ لحظة في نصيبها في تخريب انتقالنا خدمة لمصالحها في تونس (الاغتيال السياسي) لتبرهن، لكثير من السذّج والعملاء، عن انفصال تحقيق هذه المصالح عمّا ترفعه من قيم تعود إلى ثورتها لا يخفى بعدها الإنساني.
ومع تأكيدنا على أنّ ما جدّ من انقلاب على دستور الثورة ومؤسسات الديمقراطية، إنّما هو من صنع أيدينا، فإنّ دور فرنسا لا يمكن أن يخطئه الرصد البسيط.
وفرنسا هذه تشبه، في علاقتها بنا ، بـ"البورجوازية" التونسية. إذْ لا حزب يحمل قيمها وينتصر لمصالحها في مشهدنا، ولكنها موجودة في كلّ الأحزاب تقريبا. وهو ما لا يتناقض مع وجود عبارة "حزب فرانسا" في معجمنا السياسي.
في سنوات الانتقال العشر التي عشنا فيها الانتخابات الحرة النزيهة والشفافة، وما مهّد لها من حملات انتخابية ومناظرات تاريخية تحت سقف عال من الحرية معمّدة بدماء الشهداء، زهدنا في متابعة الانتخابات الفرنسية، وزال كل انبهار بما تعيشه فرنسا من اختيار حرّ ومنافسات فعلية، لأنّنا نعيش مثلها وأفضل منها، ونفخر بثورتنا كما تفخر بثورتها.
ومع الانقلاب البائس، عاد الوسواس القديم، ولكن مع إصرار منا باستعادة الديمقراطية وغلق باب الانقلاب الفضيحة.
ورغم ما يسكننا من أسى، هذه الأيّام، حين نقارن بين استمرار ديمقراطيّتهم وتوقّف مسارنا فإنّنا على يقين بأنّ إزاحة الانقلاب حدث قادم لا محالة. ورغم ما أصاب البلاد من تجريف لأغلب شروط السيادة حتى شارفت على درجة الصفر منها، فإنّ سقوط الانقلاب لا يمكن أن يسجّل إلا على أنّه انتصار تاريخي للديمقراطية حتّى وإن تولّى الأمر مرحليا غير الديمقراطيين من "حزب فرانسا"، أو كان له مشاركة فيها.
وستكون مرحلة "محو آثار الانقلاب" منطلقا لعمل سياسي دؤوب على "شروط بناء الديمقراطية"ومقدّمة لتأسيس نموذج ديمقراطي شديد الإيحاء والتأثير في مجال عربي يتطلع إلى انتظام سياسي تشاركي ناهض على أنقاض نظام الاستبداد العربي المناهض للديمقراطية والحداثة السياسية.