جملة "لا عودة إلى الوراء" إذا أردنا ترجمتها إلى السياسة لا بدّ من التوقّف عند عبارة "الوراء".
واضح أنّ صاحب الجملة يقصد أنّه لا عودة إلى ما قبل 25 والديمقراطيّة المرذّلة من قبل كلّ من كانوا جزءا منها وفاعلين فيها معاضدةً ومناهضةً منذ 2011. ويقفزون اليوم إلى الضفة المقابلة وهم على استعداد لمقايضة الحرية لا بالأمن كما أشار البعض، وإنّما بتنازلهم عن مواطنتهم التي أتاحتها "الديمقراطية الفاسدة" ورضاهم بأن يصبحوا رعايا تحت سقف "نظام تصحيح المسار" "وديوان المظالم".
ولكن ما نلاحظه من خلال تعليق العمل بالدستور عمليّا وحلّ الحكومة وتجميد البرلمان واستهداف واسع للحريات الشخصية، وجمع السلطات بيد رئيس الجمهورية يجعل الحاضر "وراء الوراء". وهو لا يختلف من ملامحه الأولى عن تجربة الاستبداد القبيحة السابقة، ثمّ إنّ جانبا مهما ممن يسنده هم سليلو ذلك القبح، من قوّادة الشعب ولجان التنسيق، وعيون لا تنام...
لا وراء إلاّ الاستبداد، وحكم الفرد، ونظام الرعايا، على قاعدة تحالف يميني شعبوي فاشي ظلامي برعاية حثالة السيستام (الجزء المذرّح منه و"غسالة" الإعلام الوهابي) ولواحقه الوظيفية التائهة والرافد إقليمي المطبّع.
لن نعود إلى المسار الديمقراطي، وإلى ما قبل 25، لسبب بسيط هو أنّ الدستور والديمقراطية أفق نتقدّم نحوه ولا نعود إليه حتى وإن أصرّوا على تعليقه رسميا واستهداف بعض فصوله (الفصل السادس مثالا) ، لأنّه يمثل عصارة جهد التوانسة المختلفين.
ورغم أنّهم لم ينجحوا في تنزيل ما أجمعوا عليه في الدستور فإنّه يبقى منجزا وصورة من "الذكاء" الجماعي، سيتقدمون نحوه ويثرونه بعدما يفوتوا الـ dos d'âne، في شروط غير الشروط: الوقت موش مشكل ههه.
جملة "لا عودة إلى الوراء" يقابلها جملة "لا تقدّم إلاّ باتجاه دستور الثروة والديمقراطية"…هكّة الصورة واضحة بمعزل عن موازين القوى…