المعركة هذه المرة صفرية لن تتوقف قريبا. فالعدو فيها لا يدافع عن سمعة أو هدف مرحلي. هو يدافع عن وجوده. لذلك يختلف أثر خساراته هذه المرة في الجند والعتاد عن خساراته في المعارك السابقة، وإن تبين ملامح انكساره التام في المواجهة الحالية.
ولا معنى كذلك للتذكير بأنّه لا قابلية للعدو بتحمّل خسائر مرتفعة في جنوده، وأنه لا يقوى على حرب المطاولة. هذا كان يصح في الحروب السابقة (قبلوا فيها باستبدال جندي واحد مقابل ألف أسير فلسطيني)، وهو لا ينطبق على هذه الحرب لطبيعتها الوجودية.
حتى الإجرام وهو جزء من شخصية العدو القاعدية وشهدت عليه نشأته (عصابات قتل). وشهد عليه تاريخه الاستيطاني الاحتلالي في فلسطين، لا يُفهَم تصاعده وتحوله إلى حرب إبادة وتطهير عرقي إلا ضمن الطبيعة الوجودية لهذه المعركة.
ولا تخرج عن هذا الإطار خلافات قيادة العدو وطموحات الساسة ومشاكلهم الشخصية وضغط الشارع بأولوية تحرير الأسرى...هي تفاصيل تشملها طبيعة هذه المواجهة.
وكذلك يُفهم دعم شركاء الكيان بالمال والسلاح والموقف الذي لم يتوقف على مدى شهرين. وتدعّم هذه الأيام بأجهزة تجسس واستخبار متطورة (الطائرة البريطانية) من قبل الناتو. فقد اجتمعوا على غزّة الوحيدة للوصول إلى غايتهم: إنقاذ عينهم ويدهم في المنطقة، وتوفير الوقت الكافي للتفكير في مستقبل المنطقة (بوجود الكيان أو بدونه). ذلك أنّ 7 أكتوبر أربك ببعده النوعي وفجئيته كل الاستراتيجيات.
هناك بعد آخر مهم، إلى جانب صمود المقاومة وتحكمها بإدارة المعركة وتفوقها في المعركة الميدانية في غزة، سيديم المعركة ومن ثمّ سيوسعها. ونعني ما يحدث في الضفة. هو، في تقديرنا، يسرع بتعميم نموذج غزة. فالمقاومة بصدد التهيكل في الضفة(كتائب: نابلس، جينين، طولكرم)، والشباب (مشاهد قوية في جنازات الشهداء) مدفوع إلى حمل السلاح في ظل اقتحامات جيش العدو وحملة اعتقالات واسعة ومواجهات استعمل فيها القصف بالمسيرات. ولهذا الشباب القدرة على ابتداع أسباب الصمود مثلما ابتدعت غزة صمودها بفكرة الأنفاق. وتعميق الانقسام داخل "سلطة" الضفة وجرّ قسم كبير من كوادرها وأمنها إلى المعركة.
في مثل هذه المواجهات الصفرية تحدث تحولات مفاجئة وانهيارات غير متوقعة في طرفي الصراع حين تتجه المعركة إلى الإفصاح عن مآلاتها.