موضوع العركة التي انطلقت من قصر قرطاج (مجلس الأمن القومي) وتتواصل اليوم بمجلس نواب الشعب هو « حكومة الرئيس »، وتنازع الصلاحيات بما هو رغبة في الخروج عمّا ضبطه الدستور لرأسي السلطة التنفيذية.
ومتوقّع أن تسقط هذه الفكرة التي لا مكان لها في نصّ الدستور، وذلك بمنح الثقة للوزراء المقترحين ضمن التحوير الجديد. وما تعبّر عنه من استرداد رئيس الحكومة لصلاحيات استولى عليها رئيس الجمهوريّة لا يمكنه منها الدستور.في كلمة نهاية « حكومة الرئيس » تصحيح لانحراف سياسي وقانوني بالخروج عن صريح الدستور.
وقد كانت هذه الفكرة سببا في حرف النتائج السياسيّة لانتخابات 2019. ومزاجها الشعبي الذي توهّم أنّه انتخب « صفّا محسوبا على الثورة ». ومنع تشكيل حكومة إصلاح وإنجاز .
فقد ظننا أنّ انتخابات 2019 ونتائجها ولا سيما في الانتخابات الرئاسيّة « عبور تاريخي » إلى الديمقراطيّة المستقرّة ، والإسراع باستكمال مؤسسات النظام السياسي الجديد.
ولكن كان هذا أقرب إلى التوهّم، وكان كشف رئيس الجمهوريّة عن بدايات توجهاته الشعبوية وتصوره الشكلاني الغامض نهاية لهذا الظنّ الساذج، ومناسبة لظهور فكرة « حكومة الرئيس » مقترح حركة الشعب الذي وجد صدى عند التيار.
«حكومة الرئيس » فكرة سياسيّة تقع خارج الدستور ، وجد فيها صاحبها ومن عُرِضت عليه ضالّتهما؛ الأوّل لتبرير هوسه الشكلاني والثاني للانحراف بمضمون التفويض الشعبي في 2019 ومزاجه المعلوم تحت دعاوى إيديولوجية قديمة وسقيمة.
فـ « حكومة الرئيس » خلاصة يتقاطع طرفاها عند الانقلاب على الاختيار الشعبي الحر، واستهدف الدولة والديمقراطيّة.
يبدو أنّ الرئيس سعيّد لن يقبل بسقوط الفكرة ، وهذا ما يبرّر توتّره وسوء معاملته لضيوفه في مجلس الأمن القومي في قرطاج يوم أمس.
منح الثقة لوزراء المشيشي اليوم ستعترضه صعوبات ومحولات تبلبيز للجلسة. وهذا يشير إليه الحشد الأمني أمام مجلس نواب الشعب، استنفار أنصار سعيّد وحلفائه في البرلمان وخارجه: في الخارج الدعوة إلى إسقاط الحكومة، وفي الداخل محاولة إسقاط التحوير الوزاري. وقد كانت الفاشيّة دعتهم إلى برنامج مشترك يقوم على هدفين اثنين إسقاط الحكومة وإسقاط رئيس البرلمان، ودحر الخوانجية. ولا يدعوك إلاّ من عنده أمل في الاستجابة إلى دعوته، وإن كان أملا ضعيفا.
الأقرب أن تسقط « حكومة سعيّد » بالتحوير الوزاري اليوم، وسيكون إسقاط « حكومة المشيشي » هدف الشعبوية والفاشية والوظيفية المستقبلي. فسعيّد مازال عنده أمل في استعادة عهدة التكليف وقد يكون سي محمّد الذي بالغ في الوشاية برفاقه السابقين إلى قيس سعيّد يعيش على أمل أن يكون رئيس لـ « حكومة الرئيس » يوما ما.
هو صراع على هامش الأزمة الشاملة التي يعرفها البلد وهو أقرب إلى التدمير الذاتي، وإذا تمّ تخطّيه بأقلّ الأضرار فإنّ الانتقال سيصبح « غير قابل للكسر » أيّا كانت التحديّات.