منذ كلمة الملثم الأخيرة، وهي أقوى كلماته على الإطلاق، ومع كلمة إسماعيل هنية المنهجية، قبل قليل، يمكن الحديث عن أنّ خطاب قيادة المقاومة في مستوييها الميداني/العسكري والسياسي دخل إلى منطقة "الثقة بالانتصار" بناءً على منجز المقاومة (سيدة المكان والزمان) في معاركها المشهودة في جباليا والشجاعية وخانيونس.
في كلمة إسماعيل هنية عرض المقاومة السياسي فلسطينيا ودوليا، وقد جاء في صياغة جيدة واضحة وواثقة من قدرة المقاومة على فرض شروطها استنادا إلى فتوحات المقاومة الميدانية وقد لخصتها رسالة السنوار الأخيرة في عبارة "تهشيم جيش الكيان".
وهي حقيقة ميدانية يشهد بها إعلام المقاومة العسكري بتغطيته المتفوقة وتوثيقه الدقيق. ولا تخفيها تقارير مراقبين مستقلين تفاجأ أصحابها بتفكك جيش الكيان من خلال ضعف أدائه مقارنة بتفوق المقاومة الظاهر. ورأوا في إمعان جيش الاحتلال في قتل المدنيين ومحو كل أسباب الحياة والتدمير الواسع لكل معمار مدينة غزة الحديث والتاريخي عجزا عن كسر المقاومة وتعويضا عن هزائمه المرة في الميدان وتعبيرا عن طبيعته النازية وروح الشر والانتقام المتأصلة فيه.
جيش الكيان المهشم لم يعد يإمكانه التقدم على طريق "القضاء على حماس" و"تحرير الأسرى". ورغم تشديده الضغط العسكري على جنوب القطاع (خانيونس) ومحيطها لتوهمه وجود قيادة القسام بها، فإنّ الانسحابات الكبرى من شمال القطاع تمثل مقدمات الانسحاب الكبير الذي يسبق إيقاف الحرب. رغم أنّ قيادة العدو العسكرية تلح على أنّ الحرب لن تتوقف وستدار بخطط قتالية مختلفة (الدخول من غلاف غزة وما يتم تركيزه من شريط حدودي باتجاه الأهداف في عمق غزة). وهذه مهمة شبه مستحيلة بجيش مهشّم (Armée brisée) واقتصاد منهك ومشهد سياسي منقسم انقسامات حادة وبحليف لم يعد متحمسا حماسه في أول الحرب (بدأ بسحب جانبا من أسطوله في المنطقة) ولا قادرا على مواصلة الدعم وتغطية النقص في مخزون السلاح والذخيرة.
"تهشيم جيش الكيان" هو النتيجة الأوضح والأوثق بعد 88 يوما من الحرب على غزة. وتجتمع كل عوامل المنازلة الدائرة والعوامل الإقليمية والدولية لتفضي إلى اضطرار العدو إلى إيقاف الحرب صاغرا. وهو لا يملك الإجابة عما سيكون في "اليوم الثاني" بينما جاءت كلمة رئيس مكتب حماس السياسي لتملأ هذا الفراغ وتجيب على "اليوم الثاني" بملامح مشروع وطني فلسطيني على قاعدة منجز المقاومة وانتصارها التاريخي وبمرجعية المنظمة بعد إعادة بنائها على أرضية المقاومة والديمقراطية والدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال.