وهو تاريخ الاحتفاء به والتأنّق في عقلنته
يبدو أنّ عودة القديم إلى الحكم في 2014 لم تكن أكبر عملية تحيّل في تاريخ تونس. ولا كانت أوّل عمليّات التحيّل، فمعاهدة باردو تحيّلٌ موصوف باسم الحماية، ودولة 56 كانت تحيّلا برعاية المستعمر على الحركة الوطنية وعلى مطالب الشعب باسم الاستقلال الداخلي. وبن علي انقلب على بورقيبة باسم عجزه وحماية بورقيبة من بورقيبة، وتحيّل على الشعب بوعود الحرية والحياة الديمقراطية، في ظلّ أزمة خانقة من أزمات الدولة والبورقيبية المريضة.
فالحزب الاشتراكي الدستوري جلاّد الشعب والتجمّع الدستوري الديمقراطي المنحلّ، ونداء تونس الخامج خلاصتهما القذرة، هؤلاء ثلاثتهم ليس لهم فكرة خارج التحيّل وهم النموذج الأوفى لـ"لوجسيال التحيّٰل".
مع فرنسا الاستعمارية وبورقيبة كان "التحيّل الصلب" ، ومع النداء كان " التحيّل الخاثر" 2014 ( مدردر زي وجوههم القبيحة)، ومع "يرحم عمّي" و"عيش تونسي" كان التحوّل العميق نحو "التحيّل السائل".
وهو سائل لتدرّجه وتوسّله بأحدث طرق التواصل المعولمة بتمويلات ضخمة أغلبها مجهول المصدر، فضلا عن كونه - مثله مثل "التحيّل الخاثر"- يتمّ من داخل منظومة ديمقراطية "هجّالة" وانتقال ديمقراطي "موش راجل"، في سياق أزمة هيكلية شاملة: أزمة ماليّة اقتصادية خانقة، منظومة حكم عاجزة، ومعارضة لولا ما يمسكها من بعض "تل رباط" حزبي لسالت، ونخبة طغت عليها غنائمية مغلفة بمعارك إيديولوجية ماسطة معاد عينه فيها حتّى حد. وهو ما يسمح بنعت هذين النوعين من التحيّل بـ"التحيّل الديمقراطي"، أو "التحيّل الانتقالي " . ( ما خير وإلاّ رانا واحلين في "تحيل استبدادي") !!!؟.
والأدهى أنّٰ "لوجسيال التحيّل" إذا استحكم واستقر في شعب والتبس بالحكم ومؤسساته صار عند قسم منهم خلُقًا وثقافة.
يُنتظر من هذا "التحيل السائل" تحقيق "اختراق" نوعي في مؤسسات الدولة ونظام الحكم . وهو في جوهره اختراق للبلد المُجهد من قبل أخطر لوبيات المال والأعمال التي يتقاطع فيها الأوروبي ( فرنسا/إيطاليا) والصهيوني والخليجي المتصهين ( بن سلمان، بن زايد)، والمافيوزي المحلّي.
عبير قصة أخرى قد نعود اليها، فهي التحيّل الذي جعل من الدساترة ( التفّه والطماعة) موضوعه، وهي فرس رهان لا تخطئها عين اللوبي المالي الخليجي المتصهين.
"التحيّل السائل " حقيقة سياسية ، ولكن الحقيقة السياسية الأخرى هو القابلية العالية للتحيّل، هو الشعب الكريم الذي كان عبر تاريخه موضوعا للتحيّل بأنواعه وقابلا له بأنواعه، وله استعداد للاحتفاء به وعقلنته بأنواعه : الصلب والخاثر والسائل.
هذا ليس هجاءً ولا جلدا للذات، فالشعب المنعوت بكونه "يريد" جزء منه موضوع للتحيّل، ومنهم من هو أقرب إلينا من حبل الوريد( الدڤ وصل الدربالة)!!.
ولكن حقيقة سياسية ثالثة لا يمكن التقليل من أهميتها وهو أنّٰ استطلاعات الرأي وسبر الآراء تتقاطع جميعها في نسبة عالية ( 70%) من المستجوبين لا يعرفون بعد لمن سيصوّتون. وهو ما سيجعل من انتخابات 2019 انتخابات المفاجآت القوية…دون أن نعرف اتجاه المفاجأة.