لا توجد أزمة سياسيّة بالمعنى المعروف مثل التشكيك في نتائج الانتخابات أو استحالة منح الثقة بسبب تشتّت الأحزاب البرلمانيّة، أو احتجاجات واسعة في الشارع بمطالب وطنيّة سياسيّة أو تنمويّة تشير إلى ميزان قوى جديد لابدّ من الانتباه إليه، أو وجود خطر داهم خارجي يهدّد السلم الأهلي.
الأزمة المباشرة التي تعرفها البلاد هذه الأيّام في أعلى مؤسسات الدولة هي "أزمة إجرائيّة" تتمثّل في عمليّة تعطيل معلنة لسير مؤسسات الدولة بتعلات قانونيّة ظاهرة وعقديّة إيديولوجيّة مضمرة (تعطيل البرلمان، تعطيل أداء اليمين).
وهي في حقيقتها صورة من "أزمة سياسيّة بنيويّة" تتلخّص في ضعف الثقافة الديمقراطيّة (الديمقراطيّة وقواعدها ليست قناعة عامة ومشتركا سياسيّا) وانفصال الحكم عن السلطة (سيلان السلطة بعد صلابتها) فاقم من آثارها ظهور الشعبويّة والفاشيّة مع انتخابات 2019 . وتناهض القوّتان مسار بناء الديمقراطيّة بخرق صريح الدستور واستهداف مباشر لمؤسسات الدولة وتعطيل دورها الطبيعي. وصار للشعبوية والفاشيّة حاضنة سياسيّة وسط بعض القوى المتنكّرة للديمقراطيّة والمنحدرة إلى وظيفيّة ذليلة تتوهّم أنّها ستمكنّها من دور سياسي خارج نتائج الصندوق.
السيستام، قبل ظهور الشعبويّة والفاشيّة، مارس التعطيل بقوى وظيفيّة كانت تجد في الديمقراطيّة تهديدا وجوديّا (اعتصام الروز). فكان له إجهاض عمليّة التأسيس وفرض معادلة سياسيّة جديدة بأفق انتقال ديمقراطي تحت سقف الدستور، وبتركيز الصراع حول شروط الانتقال (التوافق).
عمليّة التعطيل التي أتتها الشعبويّة والفاشيّة بدعم سياسي من الوظيفيّة الذليلة شلّت العمل الحكومي ومنَعت مواجهة الأزمة المالية الاقتصادية وخاصّة الصحيّة ولو بالأدنى من الوسائل، وذهبت بتدويل أزمة الانتقال إلى الديمقراطيّة إلى أقصاها، فجعلت من العمليّة السياسيّة صدى لشروط دوليّة لم يعد من يمثّلها يجد حرجا في التدخّل المباشر والعلني في مشهدنا السياسي (فرنسا/ رئيس الجمهوريّة ـ الولايات المتّحدة/رئيس البرلمان).