سيقول البعض إنّنا نحتاج إلى كل جهد في هذه المعركة، وأقول: في الدفاع عن الدستور والديمقراطيّة لا نحتاج إلى الشبيحة ولا إلى بوليس بن علي السياسي ولا إلى الوظيفيين المتواطئين مع الانقلاب والذين عبّروا اليوم عن "استعدادهم لكل الأشكال النضاليّة للدفاع عن الحقوق الدستورية"، عندما عضهم 25 جويلية عضّة خفيفة.
لا يدافع عن الثورة والدستور والديمقراطيّة إلاّ من آمن بالحرية قيمة مطلقة وبالحداثة السياسية منجزا إنسانيا وبحق الشعب في الاختيار الحر ونبذ الحكم الفردي والزعامات السلطوية الفارغة.
لا نحتاج لاستئناف المسار تحت راية دستور الثورة إلى من تواطأ قبل 25 مع الفاشية التجمعية والشعبوية الضحلة لترذيل مؤسسات المنظومة الديمقراطية وتعطيل سيرها وخنق الحياة السياسية وتعفين المشهد.
لا نحتاج إلى من رضي بوظيفيّة ذليلة، وحرّض سعيّد على تحريك الجيش ونقض الدستور والاعتقال خارج القانون والقضاء…وخطّ معه وثيقة "الانقلاب الدستوري" المسرّبة وهي مخطط للانقلاب على الدستور الذي ينفّذ اليوم.
ولا نحتاج إلى من تحالف مع الفساد وغطّى عليه لحماية نفسه على حساب مصلحة البلاد والعباد، ولم يكن في مستوى التفويض ومسؤولياته، وإن كان مستهدفا بالانقلاب ومحاصرا بفيتو داخلي وخارجي. ويمكن أن تكون بعض موادّه جزءا من البناء الجديد، دون أن ننفي دوره في قيامه حاجزا دون عودة الاستبداد، وقد عددناه في 2011 أحد شروط التأسيس وبناء الديمقراطية. وكنا تساءلنا مبكّرا، أمام غياب التوازن الحزبي المطلوب في الديمقراطية، هل يكون انقسامه ضرورة ديمقراطية…؟؟!!
هذا وضع متجاوز اليوم ومازلنا عند مهمّتين متأكّدتين:
- دعم شروط الديمقراطية
- نقد جذري لسنوات الانتقال العشر
وخلاصتهما بعد 25 : استعادة سقف الدستور ومسار بناء الديمقراطية في الشروط الجديدة…
مكونات 18 أكتوبر مبعثرة في زوايا مشهدنا السياسي ومتناثرة في أنحائه، ويمكن أن تجتمع، وتنضاف إلى ما يتخلّق من قوى ديمقراطية جديدة في أتون سنوات من التمرين الديمقراطي…وقد تكون معركة الدستور سياقا لميلادها الأوّل…
تحتاج الثورات الكبرى إلى منعطفات حادّة للفرز والغربلة وتجديد الوسائل، وها نحن نعيش أهمّها..فعسى أن نكره شيئا ويجعل الله منه وعيا جديدا وعزما حديدا…
ستكون معركة الدستور هي المعركة الكبرى والفاصلة في تاريخ الانتقال الديمقراطي والمنعطف الحاسم نحو ترسيخ الديمقراطية وغلق قوس التعطيل ومحو آثار الانقلاب، رغم احتداد صراع المحاور في جوارنا الإقليمي والدولي.
معركة الدستور انطلقت منذ يوم الانقلاب وسيكون انتهاء مهلة الاستثناء، مثلما ضبطها المنقلبون (30 يوما)، منطلقها الفعلي. فإمّا العودة المتدرّجة إلى مرجعية الدستور أو الانطلاق الفعلي لحركة تثبيت الدستور إذا كان هناك لجوء إلى تمديد الاستثناء.
وكما شُرِّفت بلادنا بإطلاق ثورة الحرية والكرامة بانتفاضها المواطني سيكون لها شرف بناء النموذج الديمقراطي بعد طي صفحة الانقلاب والانتصار التاريخي في معركة الدستور والديمقراطية…
ما نعيشه امتداد لمسيرة أجيال في الحركة الإصلاحية والحركة الوطنية والنقابية ومطالبها في الاستقلال وتأسيس الحرية وبناء الدولة وتحقيق الرفاه وشروط السيادة…نحن من تلك الكوبة…وفرع من تلك الشجرة المباركة…
غير مسموح بغير الانتصار في هذه المعركة الفاصلة، لأن الانكسار فيها يعني الدخول في نفق من الاستبداد المظلم لا نعلم مداه..
لذلك، سيكون انجلاء معركة الدستور انطلاقة لموجة الربيع الثانية التي سيكون لها جغرافيا الموجة الأولى من تونس باتجاه مجالها العربي…
دم الشهداء ما يمشيش هباء…