الحبيب بوعجيلة يعيد الأمور إلى نصابها، برشاقة وبجذرية (على التاسعة بحضور نائبين عن التيار والنهضة)، ويضع "الكائن ما قبل سياسي" في مكانه الطبيعي. وشدّد على أنّ عبير ليست "طرفا سياسيّا" باستهدافها ما أجمع عليه التوانسة والعمل على تقويضه (إجماعهم على الثورة والشهداء والدستور والانتقال الديمقراطي) ...
وهذه الحقيقة قبل البلطجة الأخيرة بالبرلمان وستبقى بعدها. وحاول ناجي الزعيري "يسَڤِّي" ولكن الحبيب أسقط اللوش من يده.
فالذي حدث في المجلس أمس ليس عركة بين نوّاب (وهو أمر دارج)، وإنّما هو استهداف لكلّ المسار من قبل من يعاديه ولا يؤمن به، وإن كان عنوان العركة نهضة/عبير ...فعبير لا تستهدف النهضة لذاتها...هي تستهدف الثورة والديمقراطيّة. وعليه كان على كلّ من يدافع عن الثورة والدستور والانتقال الديمقراطي أن يحدس هذا ويقول ما قاله حبيب.
ولذلك انتظرت من نائب التيار الديمقراطي أن يفتتح كلامه بهذا الموقف المبدئي وهو موقف لا علاقة له بالانحياز لهذا الطرف أو معاداة آخر. هو موقف مطلوب من حزب لا يفتأ يشدّد على مرجعيته في الثورة والديمقراطية، وهو موقف يستدعيه السياق تجاه حزب يجاهر بعدائه للثورة والشهداء وللمسار ... ولكنّه اختار تعويم الموضوع بالتعبير عن الضجر من هذا السلوك البرلماني المتواتر والمشاحنات المستمرة بعيدا عن مهامّ النواب الفعليّة وهموم الشعب المغدور. ولم نر أيضا منه الموقف المطلوب من تعطيل عمل لجنة الماليّة بالمجلس باقتحام قاعة الاجتماع.
يعدّ التصدّي للدستوري الذي يريد تخريب دور المؤسسة التشريعيّة أولويّة. وسيكون السكوت عن هذه البلطجة في حجم خطيئة اعتصام الرحيل. ولو كانت هناك إدانة جماعيّة لهذه البلطجة لما أمكن لهذا الكائن أن يتمادى في بلطجته وتطاوله على لجنة الماليّة وإفساد اجتماعها.
أوضحت النائبة جميلة كسيسكسي بأنّ ردّها كان على استفزاز وتهجّم وافتراء على حزبها، ولم تتوقّف بما يجب عند اعتداء عبير موسي على الثورة والشهداء. وكان من الفطنة ألا تذكر حزبها مطلقا في هذه العركة، وأن تكتفي بالقول: على عبير موسي أن تعتذر للشعب والشهداء عن تمجيدها لنظام الاستبداد وشتم الثورة وعدم الاعتراف بالدستور ومعاداة الديمقراطية…فإذا فعلت ذلك قد أفكّر في الاعتذار الذي تطلبه…
وجود حزب يعادي الثورة والدستور والديمقراطيّة ويهزأ بالشهداء ويمدح الاستبداد في مرحلة انتقال ديمقراطي لم تبلغ غاياتها وضع غير طبيعي (كثيرون هم الذين وقفوا، باسم الديمقراطيّة، في وجه تنقيح القانون الانتخابي).
أنهي بسؤال: بِمَ يُفسّر هذا العداء المسْتحكم بين النهضة والدستوري الحر حتّى غدا تناقضا رئيسيا تتحوّل كل "التناقضات" ولا يتحوّل مقارنة بعلاقة هذا الحزب ببقية الاحزاب؟