في زيارات رئاسة الجمهوريّة وخاصّة في زيارات الدولة يكون هناك إعداد مسبق يأخذ كلّ الوقت وكلّ الجهد وكلّ الوزارات المعنيّة (بحسب أولويّة الملفّات) وفي زيارة ليبيا في هذا الظرف كلّ الملفّات أولويّة وكلّ الوزارات معنيّة. في مثل هذه الزيارات تتحوّل رئاسة الجمهوريّة إلى خليّة عمل لا تتوقّف وقبلة لكلّ الوزارات وأهمّ مؤسسات الدولة ونخبة خبرائها.
ولكن يبدو أنّ قيس سعيّد يزور ليبيا وحيدا كرئيس هارب أطرده شعبه لا يرافقه من اقتضت التقاليد والمصلحة مرافقته في مثل هذه الزيارات من مسؤولي الدولة ومؤسساتها المنتخبة.
يزور ليبيا (زيارة رسمية) في "إطار مساندة تونس للمسار الديمقراطي في ليبيا"، مثلما هو مكتوب على صفحة رئاسة الجمهوريّة، وهو الذي شطب عبارة ديمقراطيّة من كل خطبه الجوفاء، وكان كلّ جهده أن يوقف مسار بناء الديمقراطيّة وينقلب على الاختيار الشعبي الحر ويتحرّش بالمؤسستين العسكريّة ويربك مؤسسات الدولة ويعطّل سيرها الطبيعي ويمعن في تقسيم الشعب التونسي بالشراكة الفعلية مع الكتلة الديمقراطيّة واللقاء الموضوعي مع الفاشيّة.
يزور ليبيا وحيدا ليذكّرهم بحكم الفرد الجاهل و"يغُدْهُمْ" بخطاب دمّر ليبيا وكلّفها عقودا من وقتها وكلّ ثروتها وسيادتها وآلاف الضحايا من خيرة شبابها ومثقفيها وعلمائها. وكان من بين أسباب امتناع بنائها بعد سقوطه.
ليس له ما يعطيه هذا الفاقد لكلّ شيء في زيارته لليبيا سوى جملة وحيدة لا يقدر على غيرها: بناء ليبيا يجب أن يتخطّى المقاربات التقليديّة" ( كيفاش؟ الله أعلم).
كان المفروض أن تكون زيارة ليبيا تتويجا لسنة ونصف من الديبلوماسيّة الدؤوبة وعمل مرموق على الملف الليبي انطلاقا من مرجعية مسارنا في بناء الديمقراطيّة وشروط النهوض الاقتصادي والرفاه الاجتماعي لتونس وليبيا والمنطقة في سياق صراع محاور جديد بعمق الساحل والصحراء وبمساحة حوض المتوسّط وتحفّزه لدور جديد.
ولكن ذلك هو حصاد الشعبويّة المر بعد سنة ونصف على الخديعة.