دار حديث عن مصير الحكومة بعد يوم أمس وما عرفه من مهاترات في البرلمان لا تخرج عن محاولات كسر المسار الديمقراطيّ من جهات محليّة وإقليميّة ودوليّة معلومة.
ودون الدخول في تقييم أنصاف الانتصارات وأنصاف الهزائم وما ظهر من فرز في المواقف والمواقع هو في الحقيقة بيِّن لمن دقّق قليلا، نقول: إنّ كسر المسار الديمقراطي بات عصيّا. فالمسار باق ويتمدّد، وستعرف القوى المناهضة للديمقراطيّة مزيدا من التدهور.
في هذا السياق يؤمل أن يكون توجّه الحكومة النأيَ بنفسها عن تفاصيل المعارك الجانبيّة، لأنّ التأثير في عمل الحكومة وفي ائتلافها الحزبي سيعتبر أهمّ نجاح سياسي لأعداء الديمقراطيّة من بقايا القديم الفاشيّ ومن تحالف معهم وجاورهم في خطّة استنزاف الانتقال ومنع التفرّغ للاستحقاقات الاقتصادية الاجتماعيّة.
ويكون مطلوبا من الفريق الوزاري:
ـ ألاّ ينخرط ما استطاع في صراع الأحزاب وتجاذباتها .
ـ الالتزام ببرنامج الحكومة ورفض الخوض في غيره في منابر الإعلام واللقاءات الصحافيّة بعدم الإجابة عن أسئلة خارج الاهتمام الحكومي: لن أجيب إلا عما يتّصل بوزارتي، وأمّا ما يتعلّق بحزبي فلكم الاتصال بمن يمثّله هيكليا...
ـ التضامن الوزاري في كلّ الأحوال: ردّ كل استهداف لوزير من الوزراء إلا إذا كان في الأداء ما يخالف القانون.
ولا حاجة في هذا إلى ما مواثيق تضامن يُمْضى عليها بحماس ولا يعمل بها. إنّه وجهة يتبنّاها الجميع ويكون رئيس الحكومة أكثر الحريصين عليها.
أمام الحكومة اليوم تحدّيان متشابكان: مواجهة آثار الكورونا والأزمة الماليّة الاقتصاديّة الموروثة. ومن هذا المنطلق يكون برنامجها:
ـ متابعة المرحلة النهائيّة من من مواجهة الوباء.
ـ المضيّ فيما تقرّر من إصلاحات.
ـ خطوات عمليّة في محاربة الفساد.
هناك وزارات مثل الصحّة والطاقة والفلاحة والنقل والتجارة والوظيفة العمومية يمكنها بالأدنى من الإصلاحات والقرارات الحازمة أن تحدث ثغرة في جدار الأزمة.
دون هذا سنعود إلى الاستسلام للتجاذبات السياسيّة وانعكاسها المباشر على:
الحكومة والائتلاف الحاكم والمسارعة إلى توسيعها أو إبدالها. ولن يمثّل هذا إلاّ مزيدا من الانخراط في إدارة الأزمات بدل مواجهتها. وهو ما يمثّل نجاحا لأعداء الديمقراطيّة وتجديدا للأمل عندهم في كسر المسار…
ويبدو لنا أن فصل الحكومي عن الحزبي منهجيّا بالنأي عن التجاذبات اليوميّة والالتزام بالبرنامج الحكومي الإصلاحي مخرجٌ من هذه الدوّامة.
وإذا تعذّر هذا على مستوى حكومي فليلتزم به وزراء حزب أو حزبين من الائتلاف الحكومي وسيحقّقون المفاجأة ولهم في تجربة وزارة الصحّة ونجاحها في تكتيل الخبرات العلميّة والطبيّة في تحدّ واضح للوباء والموت..
الفصل ليس أمرا سهلا، ويبدو للبعض مثاليّا، ولكنّه ممكن، وهو البديل الوحيد عن متاهات والتوسيع والتحوير والتغيير...وما فيها من إهدار للوقت والجهد فضلا عن آثارها السيّئة على ثقة الناس بالعمل الحكومي والحياة السياسيّة والديمقراطيّة.
هو فصل منهجي وظيفي فيه نجاح فردي ونجاح للبلاد بتحقيق انتصارات جزئيّة على الأزمة الشاملة تكون حافزا على نجاح لم نكن نتوقّعه...وسيكون له تأثير إيجابي على أداء الكتل في البرلمان ويعدّل من الفصام بين الحزبي الحكومي والحزبي البرلماني...وهو في كلّ الحوار صورة ممّا نجتهد فيه من فصل بين الحزبي والإداري في تمريننا الديمقراطي…