هناك كثير من المزايدات في موضوع "الدولة الأمنيّة". وبرشة حديث غايب شطره. نحن في دولة ديمقراطيّة. ووقت الّي تاخذ موقف من رافع صورة بشّار في المسيرة، ووقت الّي تاخذ موقف واضح من الفاشيّة التجمّعيّة واستهدافها لمؤسسات الدولة الديمقراطيّة، ووقت الّي تاخذ موقف واحد من الشعبويّة وخرقها للدستور وإرباكها لمؤسسات الدولة المدنيّة....وقتها تو نصدّق حديثك عن الدولة الأمنيّة والخوف على الحريّة والديمقراطيّة.
نحن في دولة ديمقراطيّة، وكما دفعنا من حريّتنا وقوتنا وقوت أطفالنا وعرفنا التعذيب والتجويع لسنوات وتصدّينا للدكتاتوريّة (نحكي على روحي ولا أمثّل إلا نفسي، وليس هذا حديث مظلوميّة، هذا حديث النضال والعظم الصحيح) وقت الي برشة ملّي يتظاهروا اليوم كانوا من صبّابة بن علي وبوليسه السياسي وجزءا من منظومة التعذيب التي أرستها الدكتاتوريّة وقوّادة الشعب.
وبرشة منهم نوّاب اليوم كانوا يحاضرون في أكاديميّة التجمّع والوثائق موجودة في العاصمة وفي جامعاته الصيفيّة. ومنهم نوّاب في أحزاب ديمقراطيّة اليوم كانوا بانخراطاتهم في التجمّع وتعرفهم الناس بأسمائهم.
لا توجد مسيرة محايدة اليوم، كلّها رئاسل سياسيّة، وكلها رهانات. وإن كانت الديمقراطيّة تسمح بمجال واسع، لكن ما معنى إسقاط النظام وجانب ممن يقود المسيرات اليوم هم أدوات السيستام أو من لواحقه الوظيفيّة، منهم من شاركه في روزه المفكّه، ومنهم من قطع له الطريق، ومنهم من انقلب على الاختيار الشعبي الحرّ بعنوان الحوار الوطني. وشجّعوا على قتل الآلاف في 2013 (عشرين ألف باعترافهم) مقابل التخلّص من جهات جاءت بها الانتخابات الحرّة والديمقراطيّة.
نحن في دولة ديمقراطيّة، يعرف فيها المسار الديمقراطي منعرجا حاسما، وتعرف فيه الدولة إرباكا غير مسبوق واستهدافا لمؤسساتها ونشرا لأسرار أمنها القومي على المباشر.
نحن في دولة ديمقراطيّة، تذرّرت فيها السلطة وانفصلت عن الحكم. ففقدت الشرعيّة الانتخابيّة كلّ شرعيّة سياسيّة. وكان لهذا، مضافا إليه ضعف الثقافة الديمقراطيّة وعدم الاتفاق على مبدأ البناء، نتائج وخيمة على التجربة أهمّها أن استحال الحكم وكانت كلّ الحكومات المتعاقبة بمعدّل سنّها التي لا تتجاوز السنة حكومات تسيير أعمال. ومنها أن أصبح السيستام حكما بين من انتسبوا إلى الثورة. وصار له حضور في الفسطاطين المتقابلين.
لذلك فإنّ الحديث عن أهميّة المؤسسة الأمنيّة ووعيها الجمهوري ليس دفاعا عن حكومة أغلب وزرائها من "طلبة التجمّع"، وليس تزكية للفريق الحكومي ورئيسه، وإنّما هو دفاع عن الدولة المستهدفة في بعدين: وحدتها واستمراريّتها. ولهذا انعكاس مباشر على التجربة الديمقراطيّة.
فالدولة التي تُستهدف اليوم من قبل الفاشيّة والشعبويّة والوظيفيّة، ليست دولة الحزب الواحد. هي دولة مؤسساتها نابعة من دستور الثورة ومن الاختيار الشعبي الحر. وهي دولة تجتهد في إعادة بناء نفسها لكي تغطّي كلّ مجالها السياسي (الثقافي والاجتماعي). وهو ما يخرجها من جهويّتها لتكتسب بجدارة الصفة الوطنيّة.
هذه هي الدولة التي تناهضها الفاشيّة والشعبويّة. الفاشيّة التي تستقبل نايلة السليني وحمّادي بن جابالله وبرشة من رموز "اليمين الماركسي" من "أهل الفكر" و"الفلسفة". فعبير تليق بهم. والشعبويّة النافحة بالوظيفيّة الجديدة لتسمع منها مرّة أخرى طلبها تحريك الجيش والانقلاب على الاختيار الشعبي الحر.
سنواجه استهداف كل عمل احتجاجي سلمي ونمنع الاعتداء على كلّ من شاركوا فيه على خلفيّة هويّاتهم السياسيّة أو الجمعيّاتيّة أو الحزبيّة. وسنقف في وجه كلّ تضييق على حريّة التظاهر أو تقييده بغير قيد السلميّة.
سنجعل من سواعدنا وفكرنا وجملنا السياسيّة أعمدة ترفع عاليا سقف الحريّة المعمّد بدماء الشهداء، وتمنع استهدافه من الشعبويّة والفاشيّة من خلال استهدافهما الديمقراطيّة وإصرارهما على إيقاف مسارها.
ونقول لأكلة الروز ولبوليس بن علي السياسي ومناشدي عبير وصبابة قيس سعيّد ورافعي صور بشّار أنتم آخر من يتحدّث عن "الدولة الأمنيّة"، لأنّه لا مشروع لكم خارجها.
نريدها ديمقراطيّة أساسها الاختيار الشعبي الحر، ونريدها تجربة المشتركات الوطنيّة، ونريدها تجربة المواطنة الكريمة السيّدة…فإن فرضتم غيرها وشطبتم كلّ شروط البناء الديمقراطي فنحن (نحن: من التزم بمرجعيّة الثورة والدستور والاختيار الشعبي الحر لطريقا للتداول السلمي على السلطة وبالديمقراطيّة والمواطنة الكريمة والسيّدة) أهل لكلّ طارئ ولكلّ تحدّ لنعيد من جديد شروط بناء الديمقراطيّة المعتدى عليها من خصومها الذين يعتبرونها تهديدا وجوديّا.