يصرّ رئيس الجمهورية، في كلّ مرّة، على أنّ لتونس رئيسا واحدا يمثّل الدولة. ولا توجد رئاسات ثلاث. ويشاركه إعلام اللوبيّات في إصراره هذا. غير أنّه عندما لم يحتفل بالذكرى 65 للاستقلال فإنّ إعلام اللوبيات إيّاه حمّل بالقدر نفسه الرئاسات الثلاث المسؤوليّة عن هذا التهاون. والإشارة إلى ما يتضمّنه من موقف متوتّر من حدث الاستقلال.
فالاختلاف بين رأسي السلطة التنفيذية، وما بين رئيس الجمهورية والبرلمان من جفاء لا يمكن أن يكونا مانعا لرئيس الجمهورية من الاحتفال. وهو الذي يخشى مقابلة نظرائه في الدولة خشيته المقابلات الصحفية والإعلامية.
وما سكت عنه إعلام اللوبيات أنّ رئيس الجمهورية، في حقيقة الأمر، احتفل على طريقته بإنزال مرتزقةٍ وسقطِ متاع يحملون صورته في شارع الثورة ويطالبون بحلّ البرلمان المؤسسة الأصليّة في النظام السياسي الجديد في ذكرى عيد الاستقلال.
كان يمكن لمناسبة إطلاق أوّل قمر صناعي تونسي أن تجمع بين رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة ورئيس مجلس نوّاب الشعب، رغم ما يمنحه هذا الجمع من شرعيّة لكلّ ما أتاه رئيس الجمهوّريّة من خروقات تستهدف مسار بناء الديمقراطيّة.
ولكنْ خصُّ رئيس الجمهورية بهذه المناسبة غير المسبوقة في تاريخ البلاد التقني والعلمي دون غيره من مسؤولي الدولة سيُضفي شرعيّة أقوى على ما يأتيه من خرق جسيم للدستور ومن تحرّش بالمؤسستين الأمنيّة والعسكريّة وتلاعب بالعهدة (تصريحات مستشار الفخفاخ) وتحويل مؤسسة الرئاسة إلى غرفة مظلمة (تسريبات رئيس الكتلة الديمقراطيّة) يستوجب العزل.
وأيّا كانت الجهة التي وراء هذا "التخصيص" وأيّا كانت دوافعه فإنّه مدٌّ للعابث في عبثه وشرعنة لكلّ ما يأتيه، وتمكينه من فرصة للتبرير الكاذب فيما يتعلّق بعدم الاحتفال بعيد الاستقلال. وهو عيد مختلف بشأنه ومن الشجاعة أن يقول كلّ موقفه منه ولكن في الاحتفال بذكراه لا الاختفاء وراء الصمت الجبان، أو التواري وراء مرتزقة في شارع الثورة يطالبون بـ"حلّ البرلمان" في ذكرى الاستقلال.