لم يظهر أثر للتفويض الذي ألحّ عليه رئيس الحكومة لتسهيل اتخاذ القرار وسير المؤسسة وما تحتاجه من تمويل وتجهيز زمن الحجر الصحّي الشامل. فضلا عن ملاءمته للبدء في الإصلاحات المطلوبة. وقد رُفع "الإصلاح" في مفاوضات تشكيل الحكومة بديلا عن "توافق" لم يعد له ما يبرّره.
الحكومة، والتفويض في يدها، لم تكن لها الجرأة لتأخذ المال ممّن يحتكرونه بغير وجه حق من عائلات معروفة، وعلى مدى عقود. وكانت من رئيس الحكومة إشارة محتشمة، في أوّل الأزمة، إلى أنّ الحكومة قد تلجأ، إذا تطورت الأزمة، إلى أخذ المال ممّن يملكونه. ولكنه استدرك قائلا: وإن شاء الله ما نضطرّوش لهذا".
فهمناه يومها على أنه تهديد مبطّن، ولكنّه بدا اليوم أقرب إلى الطمأنة. ولا يختلف عن إنشاء رئيس الجمهورية الأجوف (المال مال الشعب وهو أحقّ به) والذي تمّ "تفسيره" طمأنةً للجهة نفسها "المستهدفة" قبل أن يجفّ حبره. وهو لا يكفّ اليوم عن شعبويته الرثّة التي لم تر "مال الشعب" إلاّ في مبلغ زهيد كان مخصّصا لورود قد تخفف مما يطغى حوله من قبح.
الحديث عن العائلات التي تحتكر الثروة دون أن تحولها إلى إنتاج وصناعة وجعلت منها رأسمال جامد يقتصر نفعه عليها وعلى محيطها المحدود. وهي ثروة لم تجمعها بطرق مشروعة وإنّما بامتيازات وتسهيلات بغير وجه حق. وصنعت لها أو وظّفت من المنظّمات من يُدير استثماراتها ويرعاها (نقابة الأعراف) ومن يحمي فسادَها (نقابة الكادحين).
هذه العائلات المحتكرة للثروة ليست "جملة يلهو بها دعاة الثورة والثورجية". هذه العائلات حقيقة تعيش بيننا وقد تحدّث عنها بلا ديبلوماسية في جويلية 2019 السفير الأوروبي بتونس باتريس بيرغاميني مشيرا إلى أنّ الثروة تزداد تركّزا في أيادي دون غيرها في غياب المنافسة وهيمنة الاحتكار والفساد والسوق السوداء.
حكومة الشاهد سكّرت فمها يومها، ولم تقدر على إنكار الحقيقة التي كان ذكرها سياسيون وخبراء نزهاء من أولادنا، واكتفت باعتبار تصريح السفير تدخلا في الشأن الداخلي.
حكومة جبانة ومنحازة اجتماعيا وغير قادرة حتى على التعديل في التضحيات. وهي تضحيات تركزت على قطاع الموظفين لدعم المجهود الطبي وفئات التشغيل الهش. ولكنّ جانبا منها يوجّه إلى غير مستحقّيه (التعليم الخاص وغيره).
بالله ماذا ننتظر من حكومة يرأسها حزب ميّت كان مصدرًا لطعنة في الظهر لفائدة اعتصام الرحيل الذي كان يلفظ أنفاسه...؟
ماذا ننتظر من حكومة منها من كان ومازال يعيش عقدة الترويكا وكل جهده أن يثبت براءته منها وكأنها الخطيئة التي لا تغتفر...؟ والعقدة غير الرؤية النقدية!
ماذا ننتظر من حكومة منها من صوّت على قانون المصالحة الاقتصادية الفضيحة...؟ لست من دعاة إسقاط الحكومة...و"ثورة الجياع البوذرّوح"...ولكن الفراغ السياسي والعجز عن الفعل يعطي للبرّاد الخامس من المنظومة دورًا وأثرًا...مع أنّي لا أرى فروقا جوهرية بين مكونات المشهد وإنّما أحاول إيجادها لحاجة في نفسي…
لست في حاجة إلى التذكير باحترامي لإرادة الشعب، وأنّه لا تغيير بغير الصندوق والدستور، ومركزية المسار الديمقراطي واستمراره. ولكن هذا الوضع وبهذا الأداء غير قابل للاستمرار…
أقول أحيانًا أزمة الوباء كانت مفاجئة وقد تبرّر بعضا من الارتباك الذي زادته الأزمة الاقتصادية المالية…ولكن الأزمة نفسها أتاحت فرصا للإصلاح لم تكن متاحة ومنها التفويض…أتاحت إمكانية تدشين إصلاح اجتماعي وسياسة في مقاومة الفساد… حتّى ما تحقق من كسر للوباء ونجاح معنوي كبير يمكن البناء عليه طمسوه…
الخديعة هي المعنى الغالب عندي…وفي أكثر من مستوى…وفي أكثر من مؤسسة..