العقل الذي خطّط لهذه الحالة التونسية العجيبة من "التفسّخ السياسي والمجتمعي الكامل".. هو عقل جبّار.
العقل الذي ينجح في نقل مجتمع كامل من حالة فوران سياسي تاريخي جماعي، حزبي ونقابي وجمعياتي وإعلامي وشارعي، إلى حالة تحلّل ذاتي صامت جنائزي لكل الأحزاب والجمعيات والنقابات وكل الإعلام، وإلى حالة كره شعبي للسياسة وتشفٍّ في السياسيين وخوف عامّ من كل ما يمتّ بصلة إلى السياسة..، هذا العقل هو عقل استراتيجي رهيب.
هو عقل قرأ بهدوء، وعلى امتداد عقود، البنية الذهنية والنفسية لمجتمعاتنا، واشتغل علميّا على اختراقها وتطويعها لنسف كل شروط قيام المشروع النهضوي الديمقراطي المواطني السيادي الذي طرقت بابه الثورات الأخيرة المغدورة.
العقل الذي استدرجنا إلى هذه الحالة الكاراكوزية المأساوية المخجلة هو عقل استعماري/صهيوني استغل بذكاء نخبا تآكلتها الانحرافات النفسية والضحالة الفكرية/السياسية وشعبا بلغ من رثاثة الجهل والأمية والتشوّه القيمي ما جعله عدوّ نفسه.. لا أكثر ولا أقل.
ستقول لي هذا تحليل يستبطن نظرية المؤامرة.
سأجيبك.. تبا.