لماذا الفساد؟
يحتاج الإنسان العصري في تدبير معاشه إلى أنظمة إدارية و تجارية و مهنية و قضائية تساعده على قضاء حوائجه دون الإضرار بمصالح غيره. فتكون الدساتير و القوانين و غيرها تراتبية إجتماعية غايتها كبح نزوات التّعدّي الفطري لبعض النفوس المريضة بجشع الاستيلاء. فالفساد هو ضرورة متمرّدة تستفيد من تقادم القوانين و مهارة الشّطار في التّعدّي عليها.
الفساد منظومي
إذا اعتبرنا أنّ الإنسان هو أرقى الكائنات الّتي يمكنها أن تتبنى أعمال التّحويل و الارتقاء بكلّ الموجودات، فهو سيعتبر الفاسد رقم واحد، فالطّبيعة الّتي تعمل وفق نظام أزلي تكون فضاء توحّش لنزواته، فيحرق أشجارها و يشعل المداخن بنفطها المنهوب من بطنهاّ، يصبح عندئذ الملوّث الأوّل. و إن جاز أن نعتبر ذلك المارد غير قابل بأسس النّظام الاجتماعي الّذي تفرضه سلطة القهر القبلي فإن شيخ القبيلة أو الملك أو الرّئيس هم أنواع لفساد الشّلطة الجماعية و احتكارها في رمز يرى القوة في ضعف غيره. .
صورة الفساد
و أنت تتابع نشرات الأخبار وهي تعلن عن حجم الفساد و ضرر الفساد تأتيك صورة الكوباي الأمريكي الّذي يمسك رأس البقر بحبل وهو على صهوة حصانه، هي صورة نمطية تعني أنّ الفساد شخص قد قام بفعل شنيع ثمّ فرّ و تقع ملاحقته بالأخبار دون القضاء. فتسمع البسطاء يردّدون" و الله منذ رأيته عرفته سارق" و الآخر يقول" هو داخل للسلطة على سواد عينين الفقراء، ماهو حاجتو بالحنينات".
المدينة الفاضلة
بشّر عديد الشّعراء و الفلاسفة الإغريق و الروم و العرب و الفرس بمدينة يعيش فيها الذّئب البشري مع خراف القبيلة دون أن يتسلّط عليهم، و تحدّثوا عن تعايش ترتفع فيه الفضيلة و تذبح على أسوراها الرّذيلة. و أسّسوا مفهوم الجمهورية الّتي يحتمي بها الضّعيف و تثقّف عود الغاشم. بقيت أذكارهم في فضاء المثل، و دنّس المدينة خنزير فهم أنّ روح الفساد موزعة توزيعا عادلا بين البشر فما إن تحرّك نواجذها ينتصب مقامرا بماله مفاخرا بمغانمه زاهيا بدماء فريسته.
متى نغادر الفساد؟
الفساد هو كيان غير مرئي، تشعر باتجاهه و لا يمكنك أن تتفاداه مهما حاولت، فدفع معلوم خطيّة رادار ب100 دينار أيهما أفضل؟ و الإسراع في إنجاز أعمال بناء يتطلّب رخصا و وقتا فهل دفع ملاليم ستوقف الحياة؟ و الإلحاح على خلاص دجاجة و صاحبها غافل عنك فتأخذها مودّعا غباءه. فهل هذا فساد أم لا؟ الفساد أن تكتب على مكتبك يمنع الغش و الكلام البذئ وحالما تأتيك حريفة تزيد في السّعر و عندما تجادلك تسبّ الجلالة و تلعن أهلها.
الفساد دورة يومية
نحن نباغض الفساد و الفاسدين في العلن ونمارسه طقسا يوميا كي لاتتوقّف عجلة الشّؤون الّتي كبّلتها القوانين التي تعود إلى ما قبل البايات. نحن نبحث عن أقصر الطّرق لنيل الممنوع، و أشهر مثال" كلمّته على جميع المذاهب، وفي الأخير وجدت معه حلاّ " في البيست العربي". لا نلوم السّراق لمَ سرقوا فباب مدينتنا مازال مفتاحه بيد نخّاس شعبتنا المتنكّر في جبّة الطّهر و العفة المغموسة بدناءة السّذاجة فينا.
ومازال الشّرفاء يلعنون الفساد في السّر و العلن و لا يغمسون أصابعهم في أوديته. و يطلبون النجاة منه لأنه ملوّث يسمّم الحياة بعد النّشر.