إذا جاءكم نائب بخبر.........

Photo

استمعت ذات أمسيّة في إذاعة خاصّة إلى حوار مع نائب في برلمان الشّعب. وهو المكثر من زياراته إلى وسائل الإعلام، فحشد كمّا كلاميا هائلا للشّأن الأمني. و أفرغ مزوده من حنق شديد على مسؤول أمني. وكال له الانتقاد اللاذع و التشكيك السّائر. و اغتنم فرصة انعدام حقّ الرّد. فلم يكلّف نفسه آداب اللياقة البروتوكولية و التّعامل بين السّلطات التنفيذية و التّشريعية و القضائيّة.

و أنت تريد الاقتناع بصحّة تنبيهاته و الامتثال إلى شفيف إشاراته تتساءل: أليس من حقّ نائب منتخب بالاقتراع الحرّ و الشّفاف و النزيه أن يوجّه رسالة كتابية أو شفاهية إلى ذلك المسؤول؟
فتحصل الفائدة و تخرس الفاجعة، و تساعد نفحات معلوماته في تدعيم أواصر التواصل بين السّلطتين.

وهل التّشكيك في مسؤولين في قطاع حسّاس يمكن أن يفيد السّامع أم يدخله في حيرة و بلبلة؟

أمّا و أن نائبا في برلمان الشّعب قد اختار التّوجّه إلى الإفصاح عن مكنونات خوفه على أمن البلاد إلى وسيلة إعلامية يسمعها اللبيب و يتلقّفها العدو و الطّريد فله موقفان لا ثالث لهما: فإمّا انسدّت السّبل الرّسمية أمامه لإيصال صوته. أو أنّه يريد حبّ الظّهور و الجعجعة الإعلامية لربح نقاط سياسوية أو إحداث الضّغط لأمر يدبّر بليل.

النائب صوت فئة من الشّعب آمنت بوجاهة اقتراحاته الاجتماعية و الثقافية و المدنية و الاقتصادية لتجاوز صعوبات منطقة ما أو مدينة أو قرية، وهو لا يمثّل شخصه أو معتقده أو رأيه حتما، بل هو يتقاسم هموم النّاخبين الّذي صوّتوا له دون غيره، و يعمل على إبلاغها بصوت محصّن من الزّلل و المساومات و التّغرير. وهو يعكس موقفا قد لا يوافقه فيه بقيّة النّواب، فيحاول قدر الإمكان أن يذيب جليد البيروقراطية الخانقة و العناد الجّاف و النسان التالف.

أنا أتساءل: هل هذا النّائب وهو يتكلّم في شأن مسؤول أمني تذكّر وعوده الانتخابية للجمهور المصوّت له بقمع الفقر و إسكات الجوع و إعدام الفساد و التّصدّي للإشاعة ؟ وهل كان من تلك الوعود التّوجه برسائل كلامية شديدة اللهجة للمسؤولين تفتقد إلى التوثيق الكاشف و التدّقيق الحصيف؟ إذا كان من حقّ النّأئب - و من رسالته السّامية- أن ينبّه إلى الخطأ العارض و النقص الفادح فهل من حقّه إشاعة الفوضى و إثارة اللغط بين النّاس؟

العمل النيابي أمانة الشّرفاء و ساحة المناضلين الصّادقين بوطن جامع يؤثّث لمجتمع متعاون متآخ متسامح. ولا توجد صنيعة ثقافية أبدعها الفكر البشري لتحقيق التمثيلية لكافة المواطنين أبدع من البرلمان. وهو صوت التّشريع القادر على تغليب العقل العادل على النزوة الفاجرة. ولا يمكن أن يكون البرلمان إلاّ مشروع المجتمع نحو السّلم الأهلية و العدالة الاجتماعية. و النّائب له قَـسَـم يرتدع به و أخلاقيات تضبط أقواله قبل أفعاله. وهو مؤتمن على أصوات النّاس لكي يوصلها إلى المسؤولين بالكلمة اللطيفة و الغمزة المشيرة و النّصح الأمين.

لماذا ثمّة نوّاب يعرفهم المستمع من حشرجة أصواتهم و آخرون لا يسمع عنهم إلاّ بعد لعلعة الرّصاص فوق رؤوسهم؟ سؤال ختامي فقط.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات