كتاب و صاحبه غائب.
العرف
جرى العرف في كتابة البحوث أو تقصّي الصّعوبات في العلوم على اختلافها- على إسنادها إلى أصحابها. و أمّا الكتب فهي تتوشّح باسماء أصحابها وألقابهم بقصد الاشتهار بين الناس ونفاق كتبهم عند القارئين. و لاتجد أيّ مؤّلف وقع تدوينه دون صاحب له إلاّ قصص ألف ليلة و ليلة؟، فهي مجهولة المصدر نظرا لانتسابها إلى الثقافة الشفهية و تواترها بين النّاس دون حاجة إلى معرفة صاحبها.
الكتاب الأبيض خال من الإسناد.
و أنت تفتح الصّفحة الثانية باحثا عن أصحاب التّاليف تتفاجأ بخلوّها من الأسماء و الصّفات، و أنت تعلم أنّ إدارة الإشراف التّي تتوهّج بها الصّفحة الأولى لا يمكن أن تكون هي المؤّلفة. فمن غير المعقول أن هيكلا تسييريا يمكن أن يقوم بتلك العملية المصيرية الّتي لو عرضوها على الجبال لرفضت رفضا قاطعا.
البحث عن النّاطق الكلامي
تنطلق عملية القراءة المتأنيّة، و في البال الظّفر بمن يخاطبك، فينطلق لسانه متودّداّ إليك بأنّه "لا خيار لمدرستنا"(ص.12)، فإذا عرفت المدرسة فلماذا يحشرنا معه؟. من قال له إنّه لاتوجد خيارات أخرى؟. وهذه نون الجماعة تفترض مشاركتنا له و قبولنا لكل ما سيتلوه علينا من درر عجز عنها أسلافه. ثمّ هو أو هم يعرفوننا، ولماذا نحن نحن الّذين يخاطبنا لا نعرفه.
إلحاق بالنسبة
تتواصل نزهة القراءة للبحث عن مؤلّف محتمل في حدائق دلالية مشتتة الترابط و الانسجام، و تواصل البحث عن قائد الرّحلة، فيبدو أنّ الأماكن الرّسمية في بلدي لها لسان طويل تعبّر به عن" رأي الوزارة"(ص30). و لايمكن أن تتجاهل عينك تلك العبارة الأثيرة التي تصرّح بأنّ لهذا الكتاب " أصحاب القرار"(ص.35). و تمدّك يد عقلك بعبارة مجازية غاية في الاستعارة، فالوزارة لها قناعة(ص112)
الوصفة المجهولة غير موجودة
العمل التعليمي التعلّمي مجهود بشري يأتيه الباطل من خلفه و من أمامه لأنّه ينزل إلى الميدان، وهناك تظهر محاسنه و تتكشّف صعوباته. ومهما حاول المتصوّرون فإنهم لا يظفرون -حتما- بوصفة جاهزة؛ ولكنهم يحاولون أن يخرج المنهاج شاملا لأهم المقاصد التي يمكن أن تنقل المتعلّم من سلبية الخبرة اليومية إلى الوعي بالمعرفة المقننة، كي تتحسّن سبل عيشه الذّاتي و الغيري و يعمل دون فراغ الموت، و يشارك الناس عيشهم دون صلف أو عناد.
لماذا التّخفي؟
يسند أي عمل لأشخاص طبيعيين، و العمل التّاليفي مسؤولية و أمانة، فهو مسؤولية تفترض التدقيق و التروي و الأهمّ المعرفة المستبصرة بكافة أركان العمل التعليمي التعلمي و بيئة التعلّم. و أمّا الأمانة فهي ثابت متأكّد كي يشعر المشارك أن أصحاب التأليف لا يستنسخون تجارب الغير و لا ينقلونها بحرفية، وهو على قدر عال من المصداقية. متى سقط هذان المقوّمان أصبح الكتاب قاب قوسين من الفشل.