عادت جموع المتعلّمين إلى المدرسة. و عادت معهم أحلامهم بقادم أفضل. ومع العودة المدرسية ظهرت عيوب لا يمكن لأيّ إسكافي أن يرقع تلك الخرق البالية من مناشير عطّلت المدرسة أكثر من خدمتها. وزادت هموم النقل و العطش و تداعي المباني حتى وصلت إلى المدرّسين..
لا يمكن أن يكون تجاهل دور المدرسة في المجتمع هو السّبب الوحيد الّذي يجعل تلاميذا لم يتمكّنوا من متابعة دروسهم بصفة عاديّة. هذا النّقص في إطار التّدريس هو أوّل تصرّف بدائي ترتكبه أدمغة محشوة بالغباء لا تعرف أنّ تجهيل الشّعب خطر قادم. لا يترك الأخضر و لا اليابس.
كانت المدرسة تعاني من مشكل البرامج المعلّبة و الأيديولوجيا المقعمزة. فإذا هي تتلقى طعنة في الصّميم. القسم موجود و التلميذ موجود و غاب "سيدي" وغابت سيّدتي. هذان المفردان في صيغة الجمع لا يمكنهما تقديم ثمار المعرفة. فالفلوس لم تعد كافية. و التعليم زينة التلفزة فقط.
لم تعد المقاعد الممتلئة بالتلاميذ تثير الهلع. و توقظ العقول السّارحة؛ بل أصبح المخبر عنها في عداد المهدّدين تلفزيا. ونحن في زمن أصبح نقل الحقائق محرّم. لأنّ سادة الكذب المفلق لا يريدون ان يخرج "خنار" المدرسة للعموم.
المدرسة اليوم هي أصل إعلامي كي تلمّع صورة أشخاص لتحقيق مكاسب سياسوية نتنة، أمّا المدرّس فلقد ناله من الإهانات في وسائل إعلام فاسدة ما يجعل كل صراخه لا يصل إلا مخنوقا و غير ذي تغيير.والمعلّم لم يعد صنو الرّسل؛ بل أصبح تهديده أمرا مبرّرا. و تجد صداه في يد يرفعها ولي في وجه معلّم ابنه. هكذا إصلاح التربية في زمن عديمي التربية.
المدرسة قالوا عنها إنها تدخل عصر الرقمنة، فإذا الكتب بجميعها تعود إلى عصر الكاهنة و العبادلة و الموحّدين و الدّولة الحفصية. هي "فريب" من المعلومات القديمة العتيقة التي زالت عنها صفة الجدّة و النّجاعة. فقط غيّروا القشرة و أزالوا الحشو عنها. ليملؤوها خزعبلات كرتونية ماسطة.
في هذا الخضم من الإصلاح التربوي الموازي- بما أنّ القانون المنظم للمنظومة التربوية 2002 مازال ساريا- ماذا بقي من المدرسة و المستقبل؟ ما يبدو أنّ جميع الاجراءات الجديدة لا تستند إلى أي سند قانوني يجعل الطّابخين لها مجبرين على تحمّل نتائجها. و ما يقلق كيف يمكن أن تصمت لجنة برلمانية مسؤولة دستوريا و قانونيا عن التربية و المحافظة على الرأسمال المعرفي للشعب وتطويره عن هذه التغييرات التي تجاوزت القوانين المنظمة و التّعدّي عليها و عدم احترام اجراءاتها؟ّ
لهذا البلد تعليم و مدرسة و مدرّسون و مال؛ و -التربية نادرة- و مسؤولون تربويون يحرّكون كامل المنظومة دون ان تطالهم يد المحاسبة. فهم في سراب العمى عن المتابعة و المساءلة. ولكن الثابت انّ جميع المجهودات سواء كانت بريئة أو خبيثة فهي تنقصها الرّؤية المجتمعية التي تبعدها عن النرجسية الشّخصية و التفاخر الطّاووسي و التلميع الباهت. المجتمع يحتاج مدرسة تبعده عن صفوة الدول المتخلّفة و ليست علبة سردين تلعب دور الغلق و العمى و التصبير.