قرأت العين خبرا حول استشارة تريد إدارة الإشراف على التربية تمريرها لجمهور المدرّسين و الأولياء و المتعلّمين. هي استشارة ثالثة بعد 2012 و 2014 و هاهو ركب الاستشارة الثالثة ينزل من سماء ذات سبعة طوابق.
يعلم المتابعون للشأن التربوي أنّ هذا الشّكل الإجرائي معمول به في الدّول التي تحترم مواطنيها، و هو يساعد على جمع معلومات واقعية - إلى حدّ كبير- تقطع مع الغطرسة الإدارية و العجرفة الشّخصية و النّذالة البيروقراطية.
الاستبيان أو الاستشارة أو الاستمارة عناوين لمسمى واحد للوصول إلى مستوى من التمثيلية التي تعكس توجّهات الفئة المستهدفة. ولا يمكن أن يقع الجزم بصدقيتها إلاّ متى أمكن تجريب النتائج المتوصّل إليها في الميدان، و محاولة تعديلها لينتفع بها الجمهور المراد إدخال نماذج جديدة أو مقاربات إجرائية في حقل من حقول الاجتماعيات أو الاقتصاديات أو السياسات…
في هذا البلد الاستشارة هي عنوان مستهلك لسوقية تقزيم المواطن، فهي تنزل عليه من فوق و تطلب منه أن يجيب فقط. هي إجراء تسلّطي غايته البهرجة الإعلامية. فلا تعقد ندوات لبسط الفرضيات و تتبّع المتغيّرات و مناقشة كيفية جمع المعلومات أو بناء الاستشارة نفسها.
يجتمع مجموعة ممن غلا ثمن موالاتهم إلى بيادق القرار، فينتفخون أكاذيب و يعربدون في سرقة مجهودات غيرهم من الباحثين من أصقاع العالم. ثمّ يخرجون الاستمارة في شكل" صحن كفتاجي" ملوّن مزركش مفخّم لا رائحة للمحلّية فيه. فهل أنت خبير séniorعلى رأي كبيرهم في الطلاسم السفسطائية؟
و تتجنّد الإدراة بكل صفاقة القرار لتمرّر ما ينحبس في حلقوم الإجراء، و ينتبه الغافل إلى سقطات دونية و أخطاء قيل مطبعية فلا يؤخذ برأيه. و تصل إلى المدرّس و الولي و المتعلّم خالية من كلّ فائدة أو رغبة في ملئها. فيقع ركنها في أحواش القاذورات. فأصحابها أرادوا لها أمران الهالة الإعلامية و النسيان المبين.
فلا أحد له القدرة على تفريغها في شكل رموز و تصنيفها و تفسير نتائجها. فتلك أمور تأتي بعد الحصول على ثمن تصميم الاستشارة.
لأولئك الغفل من المهرّجين الشّاطحين بعقول التربية .الاستمارة لها عنوان واحد وهو مساءلة كلّ من صمّم زمنا تعليميا وهو يضاجع خمرة الأفول. فهل يعقل أنّ جميع المنظومات التربوية الناجحة لا يتجاوز معدل التوقيت المدرسي 22 ساعة أسبوعيا. و في هذا البلد يتجاوز عدد ساعات التعليم 25 -30- 33-36 و هو في قاع الترتيب؟
الاستشارة بغاية تلميع الصّورة هو مظهر آخر لفساد عنصر من يريد تمرير الضّحك على الذقون. فالمدرّس لم تقع استشارته في تصميم الزمن المدرسي منذ أحقاب. و الولي - في أحسن حال- أعجبه أن "تسجنه" المدرسة في أسوارها فيرتاح منه. و أمّأ المتعلّم فهو "خدّام مرمة" يذهب و يعود وهو كاره للمدرسة ولولا إجبارية الحضور و متابعتها لما دخلوا.
هؤلاء المفلسون من علم التعليم و التعلّم. يجب أن ترحلوا. استشاراكم خيبات تتالى و خرافات تتعالى. ارحلوا وقدّموا أفضل خدمة لهذا البلد. فأنتم عار على التربية. المصيبة لو يقع دفع المال لهم مثلما وقع في 2012.