تعرف التّربية أزمة متشعبّة لا أحد ينكر وجودها. وهي تتّجه نحو التّشبّع بالتعقيد الّذي يجعلها ورما سرطانيا وجب التّخلّص منه. و يبدو أنّ المراهنين على إفقاد المدرسة العمومية كلّ رمزية معرفية و قيمة أخلاقية ووجاهة تسييرية و فائدة مجتمعيّة قد نجحت جميع مكائدهم في الإيقاع بها. فعلا هم منتصرون.
في أي جولة افتراضية أو واقعية و أنت تنتقل في الفضاءات الحقيقية أو المدرسية تجد عدوانية صارخة. فالكلّ يسبّ الكل. و هذا متعلّم يحلّل مواطن الوهن بدقّة خبير متضلّع. و مسهوول يتبعثر الكلام بين ثنايا حنك يعاف ما يخرجه من جهل فادح بمنطومة نخرها سوس الاختيارات الاعتباطية دعك من المتسرّعة و الفاقدة للدراية التعليمية.
المدرسة في أزمة. فهل غلقها هو الحلّ؟ ذلك سؤال طرحه شخوص ذات جانفي 1984 عندما انتهت ثورة الخبز الجائع. فهل يمكن أن نعلّم شعبا يحرق مدارسه؟ كيف يمكن أن تصرف المجموعة الوطنية مالا هادرا لقاء يد عاملة متوسّطة و كفاءات تحتاج إلى المتابعة في دول متقدّمة؟
الحلّ هو الشّروع في خوصصة التّعليم.
ولكن المدرسة هي من ثوابت المجتمع مثل الخبز الّذي ثار من أجله. و ليس من السّهل القضاء عليها بسرعة، و اتّبعوا سياسة التّدرّج في الخبز و التعليم،و انطلقت مواسم التحويرات و التقيحات و التسييس الفاضح للعمل التربوي. و أتى مشروع 1991 كي يكون الدّعامة الأساسية للإجهاز على مدرسة الشّعب. فتصاعد دخان الأيديولوجيا و خرج سيف التّسلّط القببيح من ثنايا مقاربة البيداغوجيا بالأهداف ذات التوجه السّلوكي الرّدعي.
ضاعت المدرسة العمومية بين أيديولوجيا سمجة انتزعت من رحمها جوهر الكيان الإنساني و سطوة إدارية غير مسبوقة. فأضحى المدرّس منفّذا للتعليمات دون فهم لما ستنتهي إليه التعلمات. و انتشرت الكتب الموازية كالنار في جيوب الأولياء. و تقلّصت عتبات الامتحانات، و أضحت في مسيرة تعليمية تعلّمية واحدة محطّة واحدة إجبارية يتيمة وهي البكالويا و لا يصلها المتعلّم إلاّ بعد أن عشّش في دماغه الكسل الخانق و الغشّ الفاضح.
اليوم ينزعج الأولياء من سماع أبنائهم يردّدون "dégage لمدرّسيهم و غيرهم فكأن هؤلاء الأبناء تعلّموا توقير صاحب المعرفة و تقدير من أهدى إليهم شموع عمره لكي ينير دربا كان شديد الظلمة.
أبناء المدرسة العمومية هم ضحايا اختيارات أشخاص مفلسين قيميا و معرفيا و المقلق وطنيا. وهؤلاء لم يستوعبوا الدّروس من فشل أوّل تجربة تخطيط ذات جوان 1998 عندما عجز متعلّموا التّاسعة عن المرور.و اضطر رجل السياسة لفتح دورة تدارك. من ذلك اليوم كان على السّياسي أن يكون حازما و صارما.
و لكن المدرسة لم تعد مصنعا لذوات مفكّرة تؤمن بالفعل في الوطن. فلماذا لا ينتشرون مثل جراد يملأ المقاعد فقط. و تواصلت تلك الشوفيينة في تجهيل أبناء الشّعب على حد السّواء. وفي تكافؤ الفرص من قطعة جهل متساوية على كامل خريطة البلاد.
أزمة المدرسة العمومية متشعّبة، لأنّ رجل السّياسة يريد المكاسب على حساب عقول غضّة برعومية. وهو فضّ غليظ يريد حرق جماجمهم كي تشتعل بورصة الهيام به. تلك الأزمة ستنتهي بغلق المدرسة العمومية. فلا حاجة لتعليم يخرج أبناؤه ينادون بشعارات منافية لرفعة كيانها.
ما يلاحظ أنّ نفس الأزمة تتكرّر، و تأكل معها قدرا هائلا من ميزانية التربية، فبعد أن كانت ربع الميزانية في دولة الاستقلال هاهي تتدحرج لتصل 13 بالمئة. و القادم أسوأ.
لماذا احتقار تعليم أبناء الشّعب؟ ولماذا لا نتوجّه إلى البرلمان المنتخب و يتحمّل النواب على تنوّعهم مسؤولية تصوّر سياسة تعليمية تعلّمية ترتقي ببلادنا. وحده مجلس النواب القادر بالخروج من أزمة المدرسة العمومية من تهريج الصّلاح المرهوجين إلى تصوّر علمي تعليمي تعلّمي ينقلنا إلى مصاف الدّول المتقدّمة. فالمستقبل للمعرفة فهما و إنتاجا و تسويقا وقد تكون هي الخلاص من براثن الاستبداد السياسي و المعرفي و الشّغلي و الاقتصادي.