استجابت القاعدة الأستاذية إلى دعوة الطٍّرف الاجتماعي للاحتجاج على مسائل عديدة لعل أبرز الغائب فيها المطالبة الكلاسيكية بقانون أساسي يحفظ كرامة المربّي.
دعا الطرّف الاجتماعي، فأثبتت الوقفات أنّ المدرّسين لهم قدرة على التّحدّي و الدّفاع عن مطالبهم مهما كلّفهم. فالحقوق التي لم يتحصّل عليها إلاّ بعد تشنيع مسّ العرض و القيمة في مسلسل سابق من الاضرابات الاستعجالية عرّضت المدرّس إلى أبشع نعوت و سخريات و سفالة إعلام غارق في وحل البيروقراطية السّمجة. وتكالب علي طبيب -عقول الصّغار- سقط البشر، فشوهوا كرامته و أهانوا كبرياءه المعرفي و الأخلاقي.
لقائل أن يسأل: لماذا الاحتجاج بساعتين؟ وهل حقّق ذلك الكم الزمني القليل أهدافه؟ و هل ساعتان كافيتان لإحداث الوجيعة التي تجعل أصحاب القرار يسرعون بتفادي ضياع زمن التعلم للمتعلّمين؟ وهل إيقاف الدّروس يدلّ على وعي بقيمة التعلّمات في تكوين الناشئة في أذهان من يتعمّدون استخدامه سلاحا لتركيع " الخصوم في العلن و الأصدقاء في الخفاء؟ و ما العمل في قادم الأيّام؟.
هي أسئلة مشروعة كي لا تعاد " معبوكة" الاضرابات الانفعالية و النرجشية و المؤلم أن تكون الاضرابات التي تشتعل على نار هادئة تكون خدمة لغير المدرّسين.
يلاحظ جميع الّذين قرؤوا لائحة الاضراب أنّها تتضمّن بنودا هي بالأساس مسائل ترتيبية خاضعة إلى مماطلة إدارية ولم تكن تتضمّن مطالب جديدة. فهل من المعقول أن تقع الدّعوة لإضراب من أجل حقوق يضمنها القانون و لا تتقادم و لا يمكن التفويت فيها مهما كانت الظّروف؟
ربّما هذا الاضراب و غيره سيكون حطبا لنار اشتعلت في سياق ما يسمى إصلاح تربوي و الّذي بدأت روائح فشله صاعدة ، و يبدو أنّ التوزيع الجديد للنظام السّداسي- غير قانوني- و مارافقه من نسيان متعمّد لخارطة تقييمية تتوافق مع المعارف الخاضعة لبرامج ثلاثية سيضع حدّا لأحلام الواهمين بإصلاح شامل. انطلق من المحطة النهائية في عودة تدلّ على نقص فادح في فهم سيرورة الإصلاح و مراحله.
إضراب بساعتين هو تهييج مجّاني ضدّ المدرّسين سينتج عنه تحميلهم فشل الاختيارات الارتجالية في تنظيم الحياة المدرسية الجديدة. وسيقدّم فرصة النجاة من طوق الاختناق الذّي بدأ دخانه يتصاعد بعد الوصول إلى مرحلة إنجاز الاختبارات و اختلال التوازن بين المعارف الواجب تعليمها و تعلّمها و الفترات المخصّصة لتقييمها تدريبا و إنجازا و إصلاحا. و ازدحام الاختبارات لكافة المواد في حيّز زمني محدود.
المدرّس حقوقه تكفلها القوانين السّارية، وكلّ من يتعمّد تجميدها أو التفويت فيها فهو سيعرّض منصبه إلى مساءلة قانونية. وكان يمكن التوّجه إلى رئاسة الحكومة للحصول على تطمينات تقدر على تفويت الفرص أمام الصّائدين لتعكير الأجواء بهدف تشويه المدرّس و النيل منه بدعوى المطالبة بحقوقه.
لن يلدغ المدرّس من نفس الأشخاص بالطرّيقة الاعتباطية السّابقة. المدرّس له حقوقه و عليه أن يأخذها بالطرّق القانونية. و ليس باللوائح التي تزدحم فيها كلمات لا رائحة ولا طعم لها. فكفى تشويها للمدرس و إخراجه في صورة المعطّل و مصّاص مال الشّعب. وهي صورة أضحت رائجة عند العامة البهماء و الخاصّة الخبثاء.
للمدرس تقديره و كرامته فلا حاجة لإهانته بإضرابات في ظاهرها دفاع عنه وفي باطنها خدمة لاختيارت تعليمية نرجسية باتت في غرق متواصل. و لا يتحمّل المدرّس وزر أخطاء لم يشارك في تصوٍّرها ولم يكن طرفا في صياغتها؛ بل نزلت عليه من الطّابق السّابع كي تنفذّ دون تحريف أو نسخ.
فليشربوا كأس التفرّد على نخبهم. و ليتحمّلوا الفشل بعيدا عن المدرّس، و رجاء اتركوا المدرس عزيز قوم.....