اشتريت مذياعا مصنوعا في الصّين، كان ثمنه رخيصا، و فاجأني البائع وهو يعرض مزاياه بأنّه يعمل دون الحاجة إلى الكهرباء؛ بل هو يخّزّن جزءا منها في بطارية معدّة للغرض.
لمّا رأى استغرابي، و تمكّن من بيع سلعته في عقلي قبل جيبي، قال لي:
إذا نفدت البطّرية المخزّنة يمكنك تشغيله باللاقط الشّمسي.
وهنا سكت عن الكلام المباح، و جعلني أعجّل بدفع الدينارات الهزيلة، و في ظنّي أنّ الرّجل يبيعني قطار حمّام الأنف الخشبي.
و ظللت أسمع الرّاديو دون الحاجة إلى وصله باللاقط الشّمسي، و أسمع عبر موجاته ثرثرة الكلام حينا و فحيح اللئام أحيانا و روعة الموسيقى دائما و جميل الصّبر على مصائب إعلامنا الرّديئ دائما.
وجاءت الحاجة إليه وهي أمّ الاختراع، و أنا العربي الّذي أكل أجداده اليرابيع و ارتحلوا على الدواب و ناموا ملء الصّحراء و قادهم حادي العيس في المفازات و الشّعاب القفراء. فأخذت الرّاديو كي ينسيني وطأة رمال البحر و شعلة الشّمس الحارقة و ملوحة الماء الباردة.
فتحت المذياع، وتذكّرت تلك الدّعابة الجوفاء، فوصلت اللاقط الشّمسي به ووجّهته قبلة الشّمس الملساء، و انهالت الكلمات كاللعنات. أنا المبتهج بأنّ جهاز الرّاديو يشتغل بكفاءة والحزين بما أسمعه من مقدّم اختار لسوء ساعتي معه موضوعا سمجا ركيكا.
هؤلاء الصينيون الّذين استطاعوا أن يمرّغوا تراب الرّأسمالية الكافرة بحق الإنسان في حياة متساوية مع أبناء الثراء استطاعوا أن يقدّموا لأبناء الحفيانة صنائع مقلّدة كي يعيشوا لحظات سعيدة حتى بسلع لا تحمل مواصفات سليمة؛ ولكنها تعمل لوقت قصير.
وهذا ابن الرّكيكة مازال يدير سؤالا حول ضرر التعليم الدّيني في شخصية الأطفال، و ينفعل على المباشر أنّ مصيبة تخلّف العرب هو في تخصيص حيّز زمني متّسع لتدريس الثقافة الدّينية قدّره بسبع ساعات في اليوم، بل يصرّ على أنّه شاهد كتبا تصوّر المرأة في كهف و حولها صبيات متّشحات بالسّواد.
أنا المنتشي باختراع اللاقط الشّمسي في القرن الواحد و العشرين أستمع إلى مقدّم برنامج مازال خطابه يعود إلى خصومة أيديولوجية من الفريب الحضاري. تساءلت : لماذا هم يصرّون على النفاذ إلى أقطار العلم المتّسعة و يصرّ أبناء الصّناديق الأيديولوجية المعلّبة على خندق الصّراع الوهمي للديني و المدني.
أغلقت جهاز الرّاديو، و جمعت خيط اللاقط الشّمسي و رميته في البحر، وقلت و أنا أنظر إليه يغرق في الماء:
أنا و حضارتي مازلنا نردّد كليشيهات الماضي التّعيس، فاهرب بعيدا و فالشّمس مازالت عندنا قرصا دائريا يجفّف الثياب فقط.ّ