من أين نبدأ؟
لا شكّ أنّ هذا السّؤال الاستقصائي يداعب ذاكرة القارئ، و يمكن أن يأخذه إلى 4سنوات فارطة. تلك حكاية البداية لعمليّة الإصلاح التربوي. و يمكن أن يرى بعينيه مراسلة التلفزة الوطنية وهي تنقل فعاليات ذلك اليوم اليتيم لإعلان بداية المشوار الإصلاحي. كان سؤالا و تبخّر مع رحيل المسؤول الأوّل. و فشلت الإدارة في التّسويق لمشروع إصلاحي للمدرسة العمومية و الخاصّة.
لنبدأ
ذهبت مواسم الأسئلة الإشكالية، و طافت معلّقة باهتة " لنبدأ "تعلن الانطلاق من جديد في إصلاح تربوي. دشنته مصالحة مشبوهة مع الأطراف الاجتماعية بعد رغو و لغو و تعطيل و مكاشفة. و انطلق القطار الخشبي دون ربّان المدرسة. فالكلّ تناساه لأنّه ليس خبيرا في التّعمية و التّدجيل. و صراحته قد تقلق "كفاءات" ماوراء النسيان لسنوات التسعينات القاسية الجهلاء.
كتاب أبيض
نزعوا قفازات أيديهم، فظهرت الأخاديد من ثنايا كتاب أبيض قالوا إنّه يبشّر بمدرسة صديقة و بشوشة و سلسلة يطيب فيها المقام. و لهول الأكاذيب سقطت أسقف المدارس و دخلت الأفاعي إلى الأقسام و صعدت كثافة القسم الواحد، و بات المتعلّم يفتّش عن باكو حليب يقوّى به هشاشة أفكاره.
الدّواميس الثلاثة
ظهرت في المدرسة هندسة جديدة في تنظيم حياتها المدرسيّة، وهي عشوائية الدواميس الثلاثة. ولعلّ الدّاموس الأوّل هو فتح الثلاثيات على خطّ الرّحلة دون عودة. يأتي المتعلّم فيدرس ثمّ يعود و لا شيء يخبره بتقييم معرفته و الوقوف عند استيعابه عدا محطّات بعدد الأصابع.. سداسية كاملة كافية وشافية لتريح المتعلّمين من التوتر الامتحاني و الانتحار العددي و الاختناق الزمني. وهكذا يكون المتعلّم بعد تلك السداسية مسدّس ولا خراطيش له غير الفوسكة قاهرة الصّعاب.
أما الدّاموس الثاني فهو عدم لقاء المدرّسين مع بعضهم لتدارس النتائج إلاّ بعد سداسية نظيفة من كلّ مشاكل الأطراف الاجتماعية التي لعبت بمجالس الأقسام ذات يوم، و اعتبرتها خطّة نضالية قادرة على تركيع عتاة القرار التربوي. فأراحهم صانع القرار من اللقاء و التجاهر بما ينافي الخطّة السداسية.
و يعتبر الدّاموس الثالث هو عودة عصا المفتّشين إلى سالف اشتغالها ترويجا لمشروع إصلاحي لا قيمة قانونية له. فهل من المعقول أن يروّج متعهّد بالتفتيش الإداري و البيداغوجي وثائق لا تستند إلى مرجعية تشريعية صادرة في الجريدة الرّسمية. و الكتاب الأبيض لا يمكن أن يكون سندا قانونيا ملزما.
هو إصلاح مازال سؤاله الأول" من أين نبدأ؟" يبحث عن ذاته المعرفية. ولكنه توقّف عند تلك العتبة. و يبدو أنّ الإجابة الوحيدة هي أنّ المجتمعات الّتي لا تقدّس التربية تعهد بإصلاح مشروعها التربوي و الحضاري إلى ذوي النزعات الشخصيّة و الفهلويات الفلكلورية خالية من كل وثوقية علمية و تثمين إحصائي و مرجعية قانونية.
ليواصلوا الرّكض في المنحدرات المعرفية و القانونية. فالإصلاح برمته مسيرة مستمرّة و سيكون الطارف نازعا سلاطة التالد. و أمّأ أبناء الشّعب فيكفيهم أنّهم مسجّلون في كنش الحضانة المدرسيّة.
ويكفي فخرا أنّ لجنة التربية تراقب عن كثب تطورات الإصلاح في دولة الموزمبيق الشقيقة.