فرحة العيد.

Photo

تفتح عينيك صباحا، فـتشدّك رائحة البخور المنبعث من داخل حجرة الأمّ. في ذلك الصّباح تعبث بك ذكريات ملابسك الجديدة. تفتّش عن حذائك ّ المختبئ في خابية مهجورة، تنسى لونه و شكله، أنت تراه في أعماق ذاكرة مرّت بها أحذية جميلة و أنيقة و ثمينة؛ ولكن ذلك الحذاء الّذي اشتراه لك أبوك وقد استلف ثمنه من بائع الفحم لا يمكن أن تنساه. و أمّا التّبان فهو قطعتان من القطن مسكهما خيط خشن يؤلم الخاصرة.

ناولته ذاكرته سروالا أخضر اللون، كان يوم العيد محلّ سخرية أترابه، اعتقدوا أنّه وليّ صالح قد خرج من الزّاوية. نزعه بلطف بعد أن امتلأ رأسه بالنبز و اللمز و الهمز. و أقسم أن لا يلبسه مهما أقنعته أمّه أنّه من سلالة الأشراف.

كان قميصه شديد البياض، ولعلّ بقع أزراره تخفي فمّا لا أسنان فيه. احتار كيف يغلقه، فأرشده شيخ كبير أن يبحث عن خيط صنارة و يربط فتحات القميص المنخلعة. ففعل المسكين غير عابئ بسخرية الأتراب.
كان منظره وهو يلقي تحية العيد على أكابر القوم شبيها بمهرّج نسي عناية التنسيق. فعاد لأمّه يخبرها أنّه لم يأخذ أيّ مليم. ولكنه استغرب لماذا عندما يشاهدونه يضحكون؟ وضعت الأمّ رأسها في كفيّها، و أجهشت بالبكاء، ولعنت الفقر و أهله، و مرّرت كفّيها المبلولتين بالدّموع على وجهه
وقالت:

يا بني نحن الفقراء لنا عيد وحيد وهو وصول الحاكم إلينا كي يجعلنا نحلم بغد أفضل، فنلبس معه ثيابا جديدة و ننتعل أحذية أنيقة و نترك الفقر القاهر و نشعر أننا أثرياء بالسّعادة العابرة و الكلمة اللطيفة و الغمزة المريحة. و حالما نصفّق له يزهو المحتال، ونعود إلى الحقيقة.

نحن فقراء فلا عيب أن تبقى فقيرا، فقط حاول أن لا تصفّق للحاكم كي لا تفيق من سكرة الخديعة.
و أمّا أعياد الفطر و الإضحى فهي فرصتنا كي نشارك غيرنا العيش و لو بنصف الحقيقة.
نحن فقراء لا تخجل من حذائك المهترئ و سروالك الأخضر و قميصك المخلوع من أقفاله. فأنت عند الحاكم تلبس أفضل كسوة لم يقدر خيّاط أن يجعلها حقيقة.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات