لم أتعوّد شراء الصّحف المحلّية.أشعر أنّها وباء على العاقل ان يحذرها. و كنت أهوّن الأمر على نفسي بالصفحات الافتراضية. فهي تحاول أن تخفّف من رائحة العداء و شفلحة الكلمات.
و انا في الطريق المنبسط لمحت لفافة ورقيّة. لم تكن إلاّ ما خمّنته جريدة نالها شرف حمل كسكروت، ثمّ ألقى بها جائع مسهوف في غياهب الرّصيف. تناولتها حذرا، فهي تحتوي على جرب الكلام و سيء الطّعام و لوثة الهريسة الفاسدة.
قرأت الصّفحة التي كثر سوادها و ترك البياض لبطاقة الأموات. هالني ما قرأته. أعدت القراءة متمعنا، فيبدو أنني قرأت بالخط الغليظ اسمي و لقبي. نعم اسمي و لقبي في صفحة النّعي.لم أتمالك من الاندهاش. هل يعقل أن يعلنوا عن موتي و أنا مازلت أتنفّس ؟. و عزرائيل لم أكن على قائمته حتى البارحة.
أعدت القراءة بصوت مرتفع: فريد حموين لــبّى نداء ربّه يوم الجمعة و ستقام الجنازة بعد صلاة العصر. فهمت أنني ميّت. ولكن الّذي حيّرني من دفع مبلغ الإعلان؟ لعنت جرائد الكذب و الافتراء. و قطعت مع التفكير في حياتي أو مماتي.
وصلت المقهى، و في البال أن أحكى نادرتي لأصدقائي؛ ولكنهم فرّوا مسرعين كأن شيطانا ماردا ظهر أمامهم. لحقت بهم. و ظللت أنادي. لم يقفوا كانوا على عجل. رجعت القهقرى. و جلست في زاوية أنتظر عودة أصدقائي.
لم يأت النّادل على عادته، و رأيت بعيني التي لم يأكلها الدود بعد، مجموعة من الأشخاص يتهامسون. صفقت بيدي كي يحضر النّادل. لم يجب دعوتي. هرعت إليه مستفسرا. فلم أرى إلا خفّي نعليه وهما يتطايران.
ادركت انّ خبر وفاتي وصلهم. وربّما ظنوا أنني خرجت من القبر. كان من المفروض ان يقدّموا لي واجب العزاء . لم أشأ أن أبقى في المقهى. وعدت إلى المنزل. لم اجد أحدا. الجيران من وراء الأبواب المفتوحة يسترقون النّظر.
زوجتي أبنائي أحبّتي هل الموت مزعج إلى هذه الدّرجة؟ أنا لم أمثّل دور الميّت؛ بل جريدة عفنة روّجت أكذوبة. سارع كلّ من أعرفه في تصديقها، ولم يتحقّقوا حتى بالاتّصال الهاتفي البسيط. لن أموت.. سأرفض الموت في الإعلانات.