يبدو أن بلادنا لا تحتفظ ذاكرتها إلاّ بالمخلصين لترابها و شعبها، ولعل المنصف باي أحد الرّموز الوطنية التي آ فضّل الشّعب على الحكم. وقــبل بعزله دون التراجع عن مواقفه المناهضة لسياسة المقيم العام. فهم الشّعب الرّسالة، وخرج ذلك الشّعب في جنازة مهيبة ذات خريف من 1948.
ذلك زمن قريب انتهى، وهاهي الأيّام تعيد نفس اللحظات، و يعيش الشّعب "معبوكة" الحكم و المواقف التي تنتصر إلى الشّعب. و لا يمكن أن يمرّ اليوم دون سماع مترشحين لخلافة الحاكم الفعلي للبلاد حسب دستور يريدون تنقيحه قبل بلوغه الفطام الشّرعي. ويبدو أنّ الرّجل له من وعي بالتاريخ جعله يواصل مهمّته بثبات رغم الأقاويل و الإشاعات المغرضة.
لست أدري لماذا التاريخ يعاقب هذا الشّعب بشخوص يفضّلون مصالحهم الأنية على مصلحة الشّعب العليا؟. ويمكن أن نعدّد الكم الهائل من الوزراء الذّين خرجوا من الحكم و ندم عليهم الشّعب، ولعلّ المرحوم الهادي نويرة أبرزهم. هل سيأتي يوم نبحث فيه عن مشعوذ ينفخ في براد كي نعرف من هو الوطني من الفالصو و معشوق الأكاذيب؟
التاريخ لا يرحم كل من يفكّر في بيع الأوهام و ربح النقاط ؟ و التاريخ سيكتب بأحرف شديدة المرارة أنّ الفشل ضريبة شخصية يدفعها المخلص لوطنه.
و سيدوّن التاريخ أسماء المطبلين و المزكين و المتشعبطين الجدد الذين يجهلون كيمياء التاريخ التي تضعهم في قنينة الوضاعة الرّخيصة. و الشّعب يمكن أن يصبر على الجوع و العطش، ولكن لن يرض بالذل و الهوان حتى و إن طالت مدة الفتن.