تعيش الأسرة هذه الأيّام على وقع امتحانات وطنية في المستويات التعليمية المختلفة. و يكثر في هذه المناسبة النقاش حول المدرسة و قيمتها. فتسمع الأذن حكايات تنهدّ لها الجبال. و تشاهد العين خصومات بين مناصر لدور المدرسة في التربية و التعليم و من ينفي عنها ذلك و تحوّلها إلى مرتع للتجاوزات.
وهم يتّفقون حول شهادتها للمتعلّمين بالانتقال من درجة تعليمية إلى أخرى، فالمدرسة هي جواز السّفر غير المطعون في شرعيته. فتجد الأولياء يحرصون على تمتيع أبنائهم بجميع مظاهر الدّلال، فالامتحان صعب؛ ولكن تجاوزه مهم كي يرتقي إلى درجة معرفية أكثر تعقيدا.
لا أحد يشكّك في قائمة النّاجحين مهما كان عدد الفاشلين، فالأمور التنظيمية لسير الامتحانات الوطنية يبدو أنّها تسير على قدر من الصّرامة و الجدّية ما يجعل الطّعن في نتائج الامتحانات غير قابل للتشكيك أو الخدش في مصداقية الشّهادة من حيث عملية الامتحان و الحرص على تمتيع جميع المترشحين بكل ضمانات تكافؤ الفرص بينهم.
ظهرت منذ سنوات للعلن بعد أن كان تناولها في السّر أخبار تفيد بوقوع عمليات تسريب الامتحانات. و انبرت جميع الأجهزة الرقابية في الأوّل مفنّدة داحضة ثمّ الإقرار بوجودها و معاقبة كلّ من سوّلت له نفسه التلاعب برمزية الشّهادات الوطنية.
ازدادت حدّة هذه التسريبات مع التسارع الكبير في تكنولوجيا الاتّصال، فخرجت للسوق آلات تكنولوجية فائقة القدرة على إيصال المعلومة مهما كانت قدرة الآلات المعاكسة لها على التشويش أو التّعطيل ، و قرأت العين حكايات رواها أطبّاء السّمع عن متعلّمين يزرعون في آذانهم جهازا دقيقا يسمح بالاتّصال الخارجي و وصول المعلومة.
تضع هذه الظّاهرة السّوداء - التّسريب الدّاخلي -من داخل قاعة الامتحان- أو التسريب الخارجي من حيث الحصول على الامتحان قبل وصوله إلى مركز الامتحان - الباحث أمام تساؤل ساذج: لماذا يحرص المتعلّمون على النجاح وهم لا يمتلكون المعرفة اللازمة لمواصلة تعليمهم الجامعي أو الإعدادي أوالثانوي؟
هو سؤال ربّما يجعل الباحثين يفهمون أنّ ما يحرّك المتعلّمين ليس الدّافع الإجرامي أو الإساءة لقيمة الامتحان و رمزيته بقدر ما هو سذاجة مراهقة و إرضاء للوالدين، فالمتعلّم الّذي قضّى أكثر من 13 سنة تعليمية دون عتبات تقييمية حقيقية يهاله بعد صراع طويل مع الإسعاف و الرّسوب أن يرى مستقبله التعليمي ينهار بعتبة صارمة و قاسية.
إنّ المسؤول عن تواصل هذا الدّاء الّذي ينخر المدرسة هم المقرّرون الذّين جعلوا المدرسة و معرفتها خالية من كل تدبير تقييمي حقيقي. وهو إجراء لا تربوي جعل المتعلّمين يفهمون أنّ بقاءهم في المدرسة رهين الحصول على العدد الّذي يساوي العشرة أو التسعة. فماذا يعني شقاء المراجعة و كدّ الفهم و صلابة المتابعة مادام النجاح مرتهنا بالقدرة على الحصول على العدد" عشرة الحاكم" بكل الوسائل"الفوسكة الورقية" و " الفوسكة التكنولوجية".
التسريب لا يمكن أن يحجب عن الباحث حقائق معاينة في المدرسة وهي تتعلق بكثرة المواد و كثافة المعرفة التعليمية و صعوبة نقلها تلعيميا و تعلميا في المدى التعليمي الطّويل(13سنة). هذا الغول المعرفي المتسلّط على عقول المتعلّمين جعلهم ينفرون من امتلاك المعرفة و استرجاعها و إنتاجها وربّما إبداعها.
فهي معرفة للمحاكاة وليست للتفكير و التّدبير.
التسريب يمكن أن يكون قادحا للمعاينة و المساءلة و التقييم الموضوعي البعيد عن المجاملات و الضحكات الصفراء التي نشاهدها على وجوه من مسكوا بملف التربية. وهي فرصة للفحص و التمحيص عن جدوى المعرفة المتداولة في المدرسة؟ من يختارها؟ ما علاقتها بالرّؤية السياسية و الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية؟ لماذا وقع حذف جميع التعتبات التقييمية الممكنة( الرابعة و السّادسة و التاسعة و البكالوريا). فهل من المعقول ان يقضي متعلّم سبعة أيام لإجراء امتحانات وهو لا يعرف كيف نجح؟ و لماذا نجح؟ ثمّ يقولون له في الجامعة: "توا هذا مستوى متاع bachelier.