تدخل المكتبات أو تزور أروقة المغازات الكبرى لا تتحوّل عينك عن مشهد الكراسات و الأقلام و المحافظ. تجد الممحاة في زاوية ضيقة، و قلم الرّصاص منتصبا يدعوك لشرائه فهو متأنّق ينتظر لمسة إصبعك كي يدخل إلى المقلمة التي امتلأت بأقلام الزّينة.
تأخذ تلك الأدوات المدرسيّة لـ"الكاسة". ترمقك الموظفة بنظرة احتقار، و تقول: أكاهو" تستعذب استهجانها فأنت لن تدفع إلا بضعة دينارات. تنتهي من العدّ، و تخرج لك ورقة بيضاء مخطوط عليها سواد يبشّرك بـ 88 دينارا.
لا تبتسم، و تلعن في سرّك الأدوات ، و تأخذك الذّاكرة إلى سنوات الجدب. و تأتي إلى أذنك قولة أبيك: إذا ما ثماش فلوس يبقى بهيم. و اش بيهم.. البهايم.. عايشين". لم يكن يفكّر الأولياء في شراء الأدوات؛ بل هم يصارعون من أجل أن تنقطع عن المدرسة و تسرح "بالمعيز" في الجبل.
في يوم ناداه معلّمه وهو عائد بقطيع من الماعز، لماذا لم تأت إلى القسم؟ نظر إليه و رفع رأسه إلى السّماء. لم ينبس بأي لفظ خشية أن يصل والده . سأذهب إلى والدك. سأشتري لك كرّاسة وغدا صباحا ستكون في القسم.
عاد ينظر إلى بطاقة الحساب، دفع الثمن، و قال في سرّه: لولاك يا معلّمي ما صرت مهندسا.
أخذ الأدوات، و ووضعها في كيس أسود. وهنأ ابنته بسنة دراسية موفقّة. تساءل: لماذا كلّ هذه الأدوات؟ ماذا يفعل صاحب العائلة الوفيرة؟
لم يجد الإجابة المقنعة، و فتح الرّاديو، سمع على حين غفلة منه خبرا مزعجا: بلغت ميزانية العودة المدرسية أكثر من 500مليارا؟ من الّذي يحقّق أرباحا طائلة من حدث كان يمكن أن يقع ترشيد نفقاته؟
بعد يوم من العودة المدرسيّة، جاءت ابنته تبكي: أبي لقد أضعت محفظتي. فهم أنّ مهمّته هي شراء الأدوات من جديد. لم يكن قادرا إلا على الذّهاب إلى أقرب مكتبة فوجدها تفور فورانا بالخلق المزدحمين لشراء كتب و بعض أوراق.
عاد أدراجه وهو يرجو سنة دراسية موفقة لأسرة التربية. و يترحّم على معلّمه الفذّ.