صادف اليوم وفي هذا الحرّ الشّديد أن أنزل بالعاصمة، وكنت أودّ أن أقضي أمرا مستعجلا. ففكّرت، ثم راجعت عقلي، و اتّفق الرّأي على أن اتّخذ من الحافلة العمومية مركبا ذلولا. فانتظرتها انتظار الواجف، و صعدتها صعود الفارح، فلم تأتي " زينة و عزيزة" إلاّ بعد ساعة صهدني فيها الشّهيلي صهدا.
قطعت التّذكرة، و أخذت المسكينة تزأر مرّة و ترتعد أخرى، و تتوقّف المرّة تلو الأخرى فيصعد الخلق الممروج وينزل الرّاكبون الهجوج. و نالني شرف مقعد فارغ، فأرحت عليه جسدي المتهالك. و نظرت إلى وجوه المسافرين فهي مكفهرّة بسياط الشّمس الملتهبة و مشمئزة من فعل الاحتكاك المتكاثر. و ترى سيول العرق تجرف معها نضارة وجه عجوز سافرة. و أمّا الصّبايا فإن تلك المساحيق المقاومة لأشعّة الشّمس جعلت من خدودهن نقاطا بيضاء.
مشت السّاحرة العمومية تحمل معها ألام المواطنين، و تختزن داخلها مواعيد فحوص طبيّة تنتظر الإذن بالدّفع، و تسعى بتوءة لتقرّب الإبن الشّريد من أمّه الطليق، و هي على سوءاتها تعتصر خمرة الحبّ لوطن يجمعهم على اختلافهم، فلا تسمع بين المواطنين إلاّ قولا كريما قد يتحوّل ساعة غضب إلى شتم متبادل.
و وصلت،يا ليتها ما وصلت، إلى مفترق باب سعدون، ذلك النّفق الّذي صرفت عليه المجموعة الوطنية مالا هادرا كي يسهّل عملية العبور، فإذا به يتحوّل إلى كارثة مرورية، فتختنق السّيارة الشّعبية، و تصاب حركة المرور بالشّلل التّام. و توقّفت الصّفراء، و أصبحت تسير بخطى سلحفاة ، و لاتسأل عن المسافرين،فهم في عرّاقة طبيعية.
لم أشأ أن أكلّم أولائك الحارقين في وطنهم، فسماؤهم سوداء و ووجوههم مسوّدة، و العبرات تخنقها اللعنات من حركة مرور زحمة زحمة. ولولا تسريع الحركة من رجال الأمن و نسائه لبات الجمع يعاني من المحرّكات الّتي تشخر و النّفوس الّتي تتكدّر و العقول الّتي تتجمّر بفعل حرارة غير متوقّعة.
لست أدري لماذا تذكّرت و أنا في ذلك الحشر المصطنع أولائك الخبراءPasse partout الّذين في كلّ واد يهيمون و يقولون ما لا ينفع النّاس؟ لماذا لم يتحدّثوا في أزمة حالة المروراليومية؟
أين برامج الإدارات المسؤولة؟ ماهي الاجراءات التّي اتّخذتها؟ هل قامت بإحصائيات مرورية توصّلت بها إلى نتائج تساعد على التّخفيف من تلك الأزمة؟ أزمة المرور هل هي لعنة أم واقع ميداني قابل للسيطرة عليه؟ وقد ينحرف التفكير إلى السّؤال: هل الأزمة مفتعلة؟؟؟؟
يبدو أنّ اختناق حركة المرور مؤشّرعلى استفحال الدّونية تجاه المواطن، وهو مظهر سيء يدلّ على أنّ العمل الإداري و الجمعياتي و الحزبي لا ينتبه إلاّ إلى المتلهف العاجل، و أمّا ما يسهّل عيش المواطن و تنقلاته فهي في خبر النسيان، وذلك المواطن الغلبان الّذي يقدّم فروض الطّاعة لقاء أوهام لا يكتشف فسادها إلا بدوام ارتعاش محرار ضغط دمه و اشتعال نارغضبه حتى يزور الطّبيب فيخبره أنّ عليه أن يعود إلى الغاب كي يشفى من داء المدينة العاصمة بالمشاكل و زحمة المرور. فلا حلّ في الأفق. فالنوم الإداري حالة عاديّة.
لو كنّا مقبلين على انتخابات جديدة يمكن أن لا ينتخب المواطن أي مترشّح إلاّ بعد أن يقدّم له الاجراءات العملية للتخفيف من أزمة المرور؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟