عصر الترانزيستور.
عاش أجدادنا و المخضرمون يتلقّفون الأخبار من جهاز بثّ صغير يسمّى الترانزيستور. وكانت الأنظمة الكليانية تستخدمه بأبشع الوسائل. فتوجّه الرّاي العام الوجهة الّتي تخدم بقاءها. و قد ساهمت تلك السّياسة الإعلامية الفاسدة في تأبيد الجهل و انتعاش الفردانية و رواج الظّلم و الاستبداد.
كان الخطاب الإعلامي الاستبدادي يقوم على اختيار ضحية، و تصويره في صورة القاتل أو السّفاح أو المجرم أو المجنون. و تنبري أقلام الخسّة في تقديم معلومات سلبية و ترديدها صباحا مساء حتى يقتنع بها الأحمق الأبله و المثقف الخانع و المتزلّف الجسور. و من أشهر الأمثلة سفّاح نابل و المحاكمات السّياسية و نشر غسيل الوزراء بعد قلعهم من مناصبهم.
يسمع المواطن الترانزيستور، فيصدّق كل إشارة و كلمة، فهل يكذب ناطق أبكم لا صوت يخرج منه ؟ وكانت الانقلابات تستحوذ على المباني التلفزيونية و الإذاعية قبل حسم الأمور العسكرية لأنّ الشّعب لا يأمن إلا إلى قارئ أخبار يعلمه بزوال الظّلم و بزوغ فجر عهد جديد.
انتهى ذلك العصر القبيح، و أصبحت للشعوب شبكات إعلامية سيّارة تقدر على فضح المنقلبين و المتآمرين على الشّعوب. و يمكن اعتبار فشل الانقلاب في تركيا عائدا إلى الثورة الاتّصالية الكبرى. و لم يبق لحجب المعلومة و التلاعب بالأخبار و توجيه الرأي العام من قيمة. و خير دليل التّسلل الّذي وقعت فيه محطّات إعلامية تدّعي الاحترافية و النّزاهة الإعلامية.
العالم لم يعد يتكلّم أيديوولجيا شمال جنوب و عراك رجعي و تقدّمي و خصومة المدني و العسكري قدر قناعته أنّ السّلام هو طريق الحياة الأفضل.