مرّت سنتان على ثاني انتخابات برلمانية. سنتان كانت فيهما حكمة الشّعب صادمة لكل شاتم أصابع هذا الشّعب. هذا الشّعب الذي أرادت أفظع آلة إعلامية أن تدجّنه في بوتقة كراهية التبدّل و الحرّية.
بعد سنتين فهمنا لماذا ذهب العجائز إلى صناديق الاقتراع. ليس تصديقا لسفالة سقط المتاع من إعلامي الدّعارة الانتخابية؛ بل ليستبسل في المحافظة على علوية الدّولة و بقاء المؤسسات. هؤلاء العجائز اختاروا السّلم الاجتماعية بعد طنين الأكاذيب التي استمعوا إليها من ناخبين كان همّهم الحصول على مقعد يحميه من لصوصية ارتكبها في العهد البايت.
كان التّصويت علامة على دقّ مسامير في نعش الترسانة السّياسية القديمة. فهم يعرفون أنّ من كذب وهو على عرش الحكم. لا يمكن أن يكون الترياق لسموم زرعها بنفسه. وكان الذّهاب إلى مكاتب الاقتراع شهادة على إبراء الذّمة و تفويت للفرصة أمام صنّاع الأوهام الجدد.
لم تكن الانتخابات بسوء كبير حيث أفرزت شخوصا اعتقدوا أنّ الشّعب غبي. وهويسير طوع أقوال متطفلّين على صنع الوطن. و أخرج الصّندوق أيضا رجالا و نساء صدقوا في إيمانهم بالوطن. صحيح كانوا قلّة؛ ولكن أظهرت المقاعد التي تحصّلوا عليها أنهم جديرون بها.
العجائز أبطلوا بسحر أصابعهم مقولة العزل السّياسي، و أتاحوا الفرصة لعبيد الحقرة أن يعودوا من جديد دون ضغينة أو كراهية. وهاهي الأيّام قد أخرجت كل خبث فيهم و كشفت صنائع البهتان التي وعدوا بها. سنتان كانت كافية أن يعرف كلّ مواطن أنّ الرّفض قد يكون بالقبول المشروط. وهاهم أغبياء الأمس يغادرون ساحة صنع القرار من باب اللؤم و العار.
انتهت لعبة المتاجرة بالوطن. و فهم كلّ لبيب أنّ ربيع الوطن يصنعه الصّادقون و الماسكون على زناد الكرامة و الهائمون بعشق كل ثنية و دشرة و قرية و مدينة في هذا الوطن العزيز.
سلمت حكمتكم أيّها الشّيوخ. فلقد عزلتم تلقائيا وطاويط الدّجل و أزلام الخداع و بعثرتم شيعتهم و نشرتم فيهم التفرقة التي أرادوها لهذا الوطن السّليب من حريّة تقريرمصيره بخلصائه دون فاسديه.
بقي الشّباب المتفرّج على ساحة الوطن. هذا الشّباب الّذي صنعته آلة الدكتاتورية كي يبقى سلبيا ناقما ينتظر الفرص الضّائعة. و في قراراة نفسه هزائم افتراضية. هذا الشّباب مالم يفهم انّ هذا الوطن أغلى من كلّ قصور الحرقة و الانبهار بالأجنبي و نبذ المغالاة و التّطرّف. فإنه سيضيع كنز وجوده حرّا على هذه الأرض الطّيبة.
سلمت يا بلدي. و بقيت منيعا و دائم العزة حتى و إن أوهمنا الأوغاد بأننا في جحيم الحياة. قال الحرّ البطل: "وطني قبل بطني"