خسارة المدرسة العمومية

Photo

لا شكّ أنّ المخاطر التّي تواجهها المدرسة العمومية كثيرة، و ليست لها نهاية. فرجل السّياسة أصبح له اقتناع تام بالتّخلّص منها، و المجتمع المدني تناسى أنّ حجر الزاوية في المجتمع هي المدرسة، و أمّا النقابات على تنوّعها فهي ترى في المدرسة مركز نفوذ ومناسبة لنيل بعض المكاسب.

مدرسة الفراغ

يحرص رجل السّياسة أن ينقص كلّ سنة في ميزانية التربية، فهو على اقتناع تام بأن ما يصرف لا يجد له من مردودية قادرة أن تخرج البلاد من أزمتها. و لعلّ زلزال المطالبة بالتّشغيل من طرف فئة هامّة حاصلة على شهادات جامعية يجعل السياسي الأحمق يفكّر في خنق كل توق إلى الوصول إلى المراحل العليا التعليمية فهي ستجبره على مواجهة مشاكل لن يجد لها حلاّ.

و قد يبدو الحرص على خوصصتها شكلا ممكنا عند الفاسدين لكسب أحد الشّرين وهو ربح المال الذّي كان يسير إليها، و تعميم الجهل القاتل، فيتخلّص من خطر وعيهم الذّي يدكّ حصون تسلّطه و استفراده بالحكم في ظلّ سلطة مخزنية.

مدرسة الفوضى

تسعى كلّ الجمعيّات المدنية إلى سدّ الثغرات المعاينة في فضاء المجتمع، ولعلّ الدّور البارز الّذي تلعبه المنظمات المدنية في الدّول المتقدّمة جعلها تضع الطّريق و البيئة و المدرسة محاور مهمة لتدخّلها النّاجع. و ما يمكنا لإقرار به أنّ المجتمع المدني في بلدنا حصر اهتمامه في بوتقة السياسة و ترك المدرسة دون سند يجعلها قادرة على الخروج من حالة الفوضى.

مدرسة النرجسية

تقوم النقابات في قطاع التربية منذ ست سنوات على طبخ خلافاتها في موقد التربية، وهي تريد أن تحقّق منافع للمدرّسين في الظّاهر، و ما لا يمكن إغفاله أنّ تلك المطالب لم تكن تمسّ جوهر المدرسة و كيانها بقدر ما كانت انفعالات مزاجية لا تهتم إلاّ بالعاجل السياسي أو الانفلات النقابي، و لعلّ التمسّك بفتح الأسبوع المغلق و التّنطّع بعدم اجراء امتحانات و نجاح زمرة الإعلام القذر في تشويه صورة المدرّس جعل صاحب القرار التربوي يخرج في جبّة الكوباي الّذي يقدر على تحجيم دور النقابات، فهو الضّامن لاستمرارية المرفق العمومي.

مدرسة الضّياع

إذا كانت المدرسة بهذا السّوء المعاين، و بقي الكلّ ينتظر إغلاقها، فمن ينقذها؟ ومن يعمل على حماية أبناء الشّعب من هذا الضّياع؟ فالمدرسة العمومية ليست زائدة دودية يسعى الحقير قبل السفيه إلى جعلها في مرمى سهام الخوصصة البغيضة. فهل يكون الحلّ بحرمان المتعلّمين الفقراء من دخولها دون رسوم يقع دفعها شهريا؟ وهل خوصصتها ستحسّن دورها و فاعليتها في المجتمع أم ستصبح خزّانا ماليا لسقط السماسرة و تجّار التربية الجدد؟

انتهت صفاقة الإصلاح التربوي إلى حلول أجهضت كلّ أمل في القطع مع اجراءات العبث التي ساهمت في مزيد استعداء المدرسة و تشويهها؛ بل أضحى العنف هو الوباء الذّي يفتك بكل قاعاتها و ساحاتها.

المدرسة العمومية تستصرخ كلّ شريف أن يقف وقفة حازمة كي ينتهي موسم الهذيان بإصلاح مغشوش غايته التّخلّص النهائي من هذا الصّرح الشّامخ.

المدرسة تنادي كل شرفاء التعليم أن يقدّموا حلولا قابلة للتطبيق و تساعد على الّتصدّي لمشروع التّخلّص منها كأنها مصب زبالة يجب إراحة المواطن من تلوّثه الأخلاقي و سوء مخرجاته المعرفية. لقد حرص الأوغاد على إشاعة صورة فاسدة عن المدرسة، و يريدون اليوم الإسراع بالقضاء عليها في مستوى الإقامة و الأكل و النقل ثمّ التعليم و التعلّم.

كلّ الدّول تعاني من الفشل التعليمي و انتشار العنف و مظاهر الغشّ ولكنها لا تفكّر في معالجة الشرور بالموبقات القاتلة. يجب أن نفكّر كيف نوائم بين مجّانية التعليم و التعلّم و دور المدرسة في التربية الأخلاقية و النجاعة المعرفية و سلامة البناءات التعليمية التعلمية.

الخوصصة ليست حلاّ قابلا للأجرأة، و لو تمّ فإنه سيحلّ الخراب بهذه البلاد التي بنت مجدها على نفاق المعرفة و العلم و انتشار المدارس في الأرجاء. يجب أن نفكّر كثيرا كي لا نترك سوس التجهيل يحرمون زهرات الشّعب من حقّهم في تعليم يمكنهم من بناء وطنهم بعرق عقولهم و المحافطة عليه آمنا حرّا ديمقراطيا. و هو أمر ممكن شرط أن نؤمن بقدراتنا و حقّنا في الدّفاع عن مدرسة الشّعب.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات