لم تكن التلفزة التي اشتريتها بالكمبايالات قادرة على إمتاعي كما أريد، فأنا صاحبها وهي جموح لا تقبل إلا قناة بعينها ولا تسمعني إلا أغنية " أهيم بتونس الخضراء" فأقول في سرّي" تكـــــــــــــــــــــــــذب"، ينتبه المنشّط إلى قولي الخفي، فهم مطلّعون على الأسرار و كاشفون للحجب فيغيّرها برائعة" بالأمن و الأمان يحيا هنا الإنسان" تساءلت هل أنا إنسان؟
أغنية " السواعد السّمر" تجعلني أتصالح مع صوت عذب، و لكنني أفتقد فيه صدق السواعد . فالخبث قد عطّل كل جميل في بلدي. و لا أفكّر في تغيير القناة المسبوعة، فتلك تسبقة لجرجرة في المحاكم فأبقى مترنّما مع أغنية" اكتب اسمك يابلادي" فيأتيني صدى يخبرني بأنها مسروقة لحنا و كلمة.
هذه الأغاني و غيرها كانت تمرّر مثل حمار الدّريسة، فتعصر دماغك و تخنق أنفاسك. و تنام تحلم بوطن فيه الأمان و الهيام و الفداء. فيأتيك ملاك الحلم يخبرك أن عليك دفع ثمن الحلم لأنه ضريبة يدفعها المواطن الرّاكش لقاء الحلم بوطن جميل.
أفقت فوجدت أمّي تخبرني بأن " اللوسي" عدل منفذ يريد الدّفع أو حجز جهاز التلفزة لعدم سداد الكمبايالات. أدخلته إلى غرفة متعدّدة الاختصاصات الجلوس و الأكل و النوم و أشياء أخرى. و قلت له خذها حلالا بلالا. فقط لا تخبر رئيس الشّعبة أنك وجدتها مغلقة. فهو يريدنا أن نستمع إلى الأغاني الاختفالية صباحا مساء دون يوم الأحد.
أخرجها جليسه، فوكزها على رأسها فجاءت الأخبار: خطاب تاريخي لقد فرّ الرّئيس دون سابق إعلام رجوته أن يتركها فكل أملي أن أشاهد في تلفزتي برنامجا يحكي ألمي و أملي بوطن أحلم فيه كما أشاء.