الاستبداد النّاعم
خرج هذا المساء زلـم من أزلام النّظام السّابق -هكذا شهد على نفسه و اعتبرها سبّة شريفة- ليذكرأنّ ما وقع تأسيسه في السّابق هو خير عميم. ولكن النّماردة أفشلوا ذلك الصّعود إلى التّقدم و الرفاهية بغبار النّضال. و جعلوا الشّعب حاليا يتحسّر على الأمن الّذي كان يخيّم على كل شبر في الوطن. و هو يعتبر أنّ الخروج من هذه الأزمات لايقدرعليها إلاّ من مارس السّلطة سابقا.
ماذا عن الحريّة؟
ذلك المسؤول السّابق لا يعترف بالمديوينة التي تركها نظامه التالف، بل الشّعب لم يكن في حال سيّئة إلاّ بزوالهم عن دفّة الحكم. فازدادت حسب زعمه المديونية ولم تشهد البلاد تراجعا فيها. و ساءت المقدرة الشّرائية للمواطن. وماذا تحقّق حريّة؟وماذا تعني الحريّة؟ "كلام فارغ".
خـذ الحكمة
و أنا أتابع حديثه الّذي يقطر شوفينية على هذا الوطن و الشّعب، فهمت لماذا كان المخلوع يمنعهم من الكلام. حقيقة له الحقّ. كيف يسيّرهؤلاء مراكز حيوية في الدّولة وهم بهذه الكراهية للحريّة؟
قيمة الإنسان و كرامته تداس تفكيرا و ممارسة. وقد يكون تقلبّهم لحقبات سياسية متنوّعة جعله ومن معه لا يقدّسون إلاّ صباط الظّلام الّذي تنتهك فيه قداسة الذّات البشرية. فنحن لسنا ناضجين و لا يحقّ لنا تصريف أحوالنا بحرّية مسؤولة.
لا تسألوا لماذا تخلّفنا
إذا أردنا أن نعرف لماذا تقدّمت ماليزيا و كوريا الجنوبية و غيرها من الدّول التي نالت استقلالها معنا فيجب أن نحلّل خطابات رجال الحكم عندهم و عندنا، بالطّبع سنحتاج إلى مسحوق يزيل عنها برقع البهتان و التزلّف الكاذب. فسنقف على أنّ تخلّفنا كان بأيدينا و عقولنا و أنّ مصيبتنا في عقول من حكم الشّعب بعقل مستبدّ لا يرى العظمة إلاّ في شخصه.
تصوّرالحكم عندنا
العقل السّياسي الحاكم بقي قبليّا عصبيا مرضيا،و لم يختلف القابضون على رياسة الحكم عن شيوخ القبيلة إلاّ بربطة العنق و القليل من العطر و الكثير من العصي ليهشّ بها على الرّعية المنفلتة، ولذلك هذا الزلم يعترف أنّه لمّا خرج في سرحة للبادية أعجبه أنّ السّارح يعيش في خيمة هانئا قرير العين.
متى يساعدون؟
متى يعرف هؤلاء المتقاعدون أنّ خدمة الوطن ليست بالتّسلط و كرباج الحكم؟ ؛ بل يمكنهم أن يساعدوا بالإشارة اللطيفة و المدافعة الشّديدة على وحدة الوطن و مناعته ، و يفهوا أن الوطن لا يطلب في هذا العصر إلاّ شخوصا - بديلة عنهم- مسؤولة مؤمنة بوطن جامع. فلا تفاضل بين الجهات و لا تمييز بين الأفراد. فالشّعب متّصل متشابك يعمل الكل لصالح الكلّ. ولا احتكار للسّلطة في وجاهات ثبت اليوم عجزها جماهيريا و تاريخيا و سياسيا.
تمتعوا بتقاعدكم. فلن يسقط الوطن فريسة إلاّ لحبائل المكائد و الجعجعات الكلامية و المناورات الخرقاء. وطالعوا سيرالعظماء الّذين وضعوا بلدانهم على طريق المجد و العلياء. ساندوا الصّالحين-وهم كثر- و الصّادقين كي يرسموا وطنا حرّا متقدّما بعملهم و إبداعهم ومنطلقا نحو المستقبل. خذوا مال تقاعدكم، وعيشوا أعزّاء في وطنكم على شاكلة حكّام أمريكا. و اتركوا الوطن لأبناء زمانهم فهم الأقدرعلى معرفة أحواله.ودافعوا عن الحريّة التي منعتموها عن الشّعب.
ابحثوا عن مستثمرين يساعدون البلد في الخروج من أزمته. و سيذكر التّاريخ أنّكم أحسنتم لبلدكم بعد الإساءة إليه، فربّما يغفر لكم ذلك.