انتهت العطلة الثانية، و انتهت معها مؤقّتا مشاكل أوشكت أن تقلع كلّ مغروس في المدرسة العمومية. فالحجارة الّتي وجّهها المتعلّمون إلى ذلك الحرم المعرفي بكثافة كانت بقصد إجبار صاحب القرار التربوي ليعدّل قليلا أو كثيرا في جرعات الفروض. و استجاب صاغرا؛ ولكنه ما علم أنّ التقهقر يعني الضّياع.
و أمّأ زجاجات المولوتوف فكانت صواريخ عابرة لقداسة مدرسة أصرّت منذ الرّواد أن تشتعل فيها نار المعرفة التي وهبها بروميثيوس للإنسان. ولكن أبناءنا اختاروا عن وعي ساذج أو توجيه ماكر كي تحرق النيران كلّ أمل في غد أفضل. تلك النيران التي اختارت حرق العجلات أو أقسام مهيّاة ليتعلّم فيها أبناء الّشعب أنّ النار ليست للاحتجاج بل لحرق الجاهل الكامن في عقول راكدة.
و توجّه المدرّسون بكلّ رصانة العاقل و حماسة المتّالم قصد عرض شكواهم إلى من يهمّه شأن التربية في برجه العاجي المكين. فوجد سفلة إعلام العار قد أعدّوا له صفاقة النذالة للنيل من تحرّكه. و باتت العامة البهماء تردّد ما تقوله صناديق الفرجة المغشوشة و تعجّل في لومه. هؤلاء الأوباش من سقط الإعلام يحرّكهم " لوبي فاسد" مهمته توجيه الأنظار عن حقائق الأشياء كي لا تنكشف عورة سادته مصاصي دماء الشّعب. وصل صوت المدرّسين الخافت إلى رحاب مجلس النوّاب. و اختنقت العبرات في مهجة العين.
استطاع النّواب الأشاوس التّصدّي لمشروع خوصصة المدرسة العمومية، و أسمعوا كلاب العويل ما حجبوه عن العامة. وسمع الشّعب ما تمّ حجبه. التربية تواجه خطرا سيأتي على وجودها. فالفساد أضحى حقيقة معاينة، و عدم دراية السّاهرين على الإصلاح باتت مكشوفة، و زادها الإفلات من الإجابة تنشيطا لذاكرة تلتهم سمّ النسيان.
• ماذا بعد؟
• ماذا ينتظر المدرسة العمومية؟
• من يسيّر- المدرسة العمومية- من خلف السّتار؟
• من هم المتمعّشون الجدد من مال بانكة التربية العريانة؟
الأطراف الاجتماعية بعد صولاتها منذ سنتين و التّسبب في حملة التشهير بالمدرّسين و هدر قيمتهم الرمزية و المعرفية أضحت خاتما في إصبع معقوف؟ و أطوع من زبد هادر فارغ؟
المدرّسون في قلعتهم المدرسية لا يعرفون ما المصير؟ هل سيبقون في حمى المدرسة ؟ أم تنتظرهم اجراءات التقشّف التي ستعجّل بإخراجهم؟
صمت مطبق من كافة الجهات، يبدو أن لا حاجة إلى المدرسة هذه الأيّام.
قديما قيل: لكلّ حادث حديث. و الأكيد أنّ ما تعجنه طاحونة الفساد سيخرج عارا و خزيا على كلّ من يساهم صمتا أو تمعّشا أو تخريبا في حقّ أبناء الشّعب. و ستلاحقكم لعنة اللؤم لأنكم فضّلتم هدر المال في مسارب فاسدة على تعليم الأبناء حقّهم في وطن تسيّجه المعرفة و تحضنه نار التآخي و التعايش.
ستكنسون يوما هذه حقيقة أزلية. و لن نشمت فيكم. فقط ستأخذون المال العفن. و تبقى لنا المدرسة الوطن. و سنبدأ يومها في تعليم أبنائنا. الوطن للشرفاء و المدرسة هي عنوان الوفاء.