نهاية مواطن

Photo

تعرف المدرسة العموميّة هذه الأيّام جذبا إلى مستنقع الخوصصة البغيض، و لعلّ الممارسة الرّسمية جعلت الغيورين على مدرسة الشّعب يشعلون الأضواء الحمراء كي لا يمرّ مشروع قديم- جديد يطبخ على دخان الهياج و الخصام و افتعال الأزمات . المدرسة اليوم هي سؤال غابت الإجابة عنه.
ما الفائدة من المدرسة؟

هذا السّؤال يردّده الولي الّذي أصبح على وعي تام أنّ المدرسة بتخمة معارفها العالمة و زمنها المنتفخ و بنيتها المتردّية لم تعد قادرة على تقديم الوعي بالوجود الفاعل. ولم تعد المدرسة هي الفضاء الموثوق به لبناء الشّخصية المواطنية التي تفعل في ذاتها و المكان و الآخر. و لكن المدرسة لا تفعل ذلك.

أمّا المدرّس فلا أحد يعلم تشتت ذهنه بين الإرادة في التغيير الإيجابي زمن التعليم و التعلم و الالتزام القسري ببرامج وقعت خياطتها كي تكون رائحتها معرفة راقية و حقيقتها قتل لجميع المواهب و وأد لكل طموح في إشعال عقول المعرفة في أذهان المتعلّمين.

الولي الذّي يريد لإبنه أن يسمو في مدارج العرفان و يصير قادرا على تخزين معلومات تتحوّل إلى كفايات يقدر بها على النفاذ إلى مدن المعرفة المنتجة، و المدرّس الّذي أعاقت ممارسته خيوط العنكبوت الفاتكة بكل اجتهاد و توق إلى مقاومة السّلوك الفاسد و الجهل الفاضح و الكسل الشّارد.
هما اليوم على طرفي صفيح ساخن ، فلقد استطاعت حماقة الإعلام الفالصو أن تجعلهما خصمين لا يمكن لهما أن يتواصلا.

هذا الصّراع الّذي تحوّل من شتائم تخنق كلّ آداب الاحترام إلى عنف ودماء سائلة و نوازل في المحاكم و جعل صاحب القرار التربوي يستثمره بتأزيم الوضع بقرارات مرتجلة وقع تحميل مسؤوليتها للواجهة الأمامية في سلّم التربية وهم المدرّسون. نجح تسويق فكرة العداء للمدرّسين عند العامة و لم تعد للمدرّس حرمة اللياقة. و أصبح المتعلّمون ينخرطون في سوقية الاعتداء على القائمين بعملية التربية و التعليم.

فقدت المدرسة العمومية رمزية قداسة معرفتها و جدوى الانتفاع بها في الحياة العامة، و زادت الصّراعات اليومية من التلويح بضرورة خوصصتها. ولم تعد لهذه النزوات الأفعوانية أن تثير المدافعين عن مجانية المدرسة و تحثّهم على مقاومة قرارات ارتجالية سطحية تعجّل بدوام الأمية و انتشار التّعصّب و الانحراف و الإجرام.

من المستفيد من التعجيل بخوصصة المدرسة العمومية؟ لا يمكن أن تكون الإجابة عن هذا السّؤال بالسهولة التي ينتظرها النافخون في سامور خوصصتها. المدرسة العمومية لها تاريخ طويل من النجاحات، و لعل ريادتها في تقديم موارد بشرية لها كفاءة عالية وطنيا و عالميا هو الّذي يجعل تحويلها إلى مؤسسة ربحية أمرا صعبا.

إذا كان الرّفض الشّعبي لقرار خوصصتها الجذري، جعل المقرّرين يتدرّجون في إضعافها من الدّاخل بجعلها ركاما من المعارف البالية و تعطيل الممارسة الإبداعية و اليوم بتقسيمها إلى عنوانين بارزين المدرسة توفّر التعليم ولا توفّر الخدمات من أكلة و مبيت و أنشطة مختلفة. هذا الطّعم هو الّذي لو يقع تمريره سيؤدّي حتما إلى تغيير طبيعة المدرسة من مجانية بانية لمواطن المستقبل إلى مؤسسة تجارية توزّع النفوذ و الرّيادة لفئة دون غيرها.

المدرسة العمومية في مرمى سهام التّخلّص منها، و كلّ متردّد يعتقد أنّ هذا التصّور ليس له من سند واقعي هو كالحالم بدوام العسل دون نحلة تضع الرّحيق في الخلية. مشروع الخوصصة له مدافعين عليه، و مشروع مقاومته مختلف حول ضرورة التّصدّي له.

المدرسة العمومية تصرخ باحثة عن سبل كي يقع إنقاذها من ممارسات ستعجّل بنهاية مواطن واع قادر على المحافظة على نفسه ووطنه.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات