اليوم تشهد بلادنا تصويتا برلمانيا عجيبا. الحكومة ممثلة في رئيسها ستخضع إلى آلية مزدوجة التسمية، فهي في الظّاهر منح الثقة و دعم للحكومة.وفي الباطن سحب للثقة منها. هي لعبة سيئة التّركيب. والمواطنّ الّذي يستمع حاليا في نشرات الأخبار أنّ الحكومة باقية، سيصاب بدوار في آخر المساء فهو سيلاحظ أنّ الشّريط السفلي لتلفزته مكتوب عليه : خبر عاجل نواب مجلس الشّعب يسحبون الثقة من الحكومة و تصبح حكومة تصريف أعمال.
نواب البرلمان الّذين صوّتوا بإجماع على تزكية حكومة شكّلتها أحزاب الإئتلاف ذات مساء، هم أنفسهم سيصوّتون على تقرير مصيرها.والأحزاب الّتي شكّلت تركيبتها التوليفية الوفاقية التلفيقية المحسوبية و " الماخذة في الخاطر"ّهي نفسها الّتي أكّدت على أنّ وزراءها أفضل ما يوجد في سوق المسؤولية السّياسية.
التّصويت سينصبّ حسب ما راج من معلومات على رئيسها دون حاشيته. فهو سيتحمّل الفشل وحيدا.فالمبدأ التسييري لدواليب الحكم يسير وفق العلاقة الشغلية البسيطة القائمة على " العرف و الصّناع"والوزراء مجرّد صنّاع يتعلّمون الحجامة في رؤوس اليتامى، و " العرف" هو من "يشرب" الفشل.و لذلك سارع مجموعة من وزراء العهد السعيد إلى التّمرّد على رئيسهم لقاء كسب ودّ الأحزاب و البقاء في " الخشّة" الوزارية.
الوزير الأكبر سيردّ على أسئلة فاتت صلاحيتها و انتهت قيمتها، و سيتخمّر النّواب في استعراض ظواهر الفشل البادية للعيان، و نائبنا الّذي يزور البرلمان مرّة في السّنة سيرغو و يزبد أمام كاميرا اختارت قسمات وجهه الغاضبة وأبانت على حركات متشنّجة أنّه عارف بفشل الحكومة قبل أن تضع كلّ ذات حمل حملها.
لو كان بيدي لتحوّلت جلسة المحاكمة لرئيس الحكومة إلى مساءلة لجميع المتدخّلين في الشّأن السّياسي. فالفشل ليس فرديا؛ بل هو جماعي يمسّ كلّ أطراف المنظومة الحكمية القائمة على لبوس ديمقراطي و جوهره قبلي متوحّش لا يؤمن بالعمل الجماعي و الحرّية و المبادرة. و الأهمّ أنّ الفشل جماعي و ليس فرديّا.
استقالت حكومة انتهت حكومة و تشكّلت حكومة و توّسعت حكومة. وزير حزبي وزير تكنوقراطي كلها تعابير تعوّد عليها المواطن الّذي سئم المحاصصة الحزبية و سوء الاختيارات الأنانية. وافتقاد الكفاءة و المسؤولية. المواطن لا يهمّه الفشل؛ بل لماذا فشلنا؟ و ما المشروع الّذي عند تطبيقه ننجح؟ لماذا بقينا نرواح المكان ونتقهقر؟
يجب أن نقتنع أننا كلنا فاشلون و لا أستثني أحدا. فالشاب الّذي لم يذهب للتصويت و بقي يتفرّج ثمّ يلوم الشّيوخ لماذا حازوا المراتب السّنية؟ وقد أهملوا الحكمة التي تقول الطّبيعة تأبى الفراغ. ولذلك احتجاجات الجعجعات لا تنفع. الحكم يدار بالانتخاب و المشاركة فيه ومن يترك مكانه يجد مالكا الحزين ساهرا على تنويمه حتى يتمتّع بكرسي الحكم.
الحكومة القادمة ستقول ما لا يمكن ان تنجزه. و نواب البرلمان سيقولون ما لا يعملون به. و الشّعب سارح في أرض التيه، و الدّيون تتراكم في خزائن الحيتان المتوحّشة. فمن سيصارحنا: حالتنا متعبة خلاص و لم تأكلوا النّخالة بعدُ؟.
ماذا لو يصوّت النّواب اليوم على عدم مشاركة أي وزير في الحكومة الحالية في أي منصب قادم ؟ هي البداية الحقيقية للقطع مع تدبير الراس و الولاء للكرسي قبل الوطن؟